حكم تشريح الحيوانات بغرض الدراسة العلمية

تاريخ الفتوى: 13 يونيو 2010 م
رقم الفتوى: 863
من فتاوى: فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
التصنيف: الطب والتداوي
حكم تشريح الحيوانات بغرض الدراسة العلمية

ما حكم تشريح الحيوانات بغرض الدراسة العلمية؟ ففي بعض الجامعات والمدارس يتم تشريح الحيوانات الحية بغرض الدراسة العملية مما يعرضها لمعاناة، وقد يودي بحياة بعضها في النهاية، مع العلم أنه قد وُجد الآن بدائل تؤدي نفس الغرض وقد ثبتت فاعليتها عمليًّا: كنماذج المحاكاة، أو برامج الحاسب الآلي المتطورة، أو الأفلام التعليمية، أو حتى الحيوانات الميتة، أو عن طريق الممارسة الواقعية مع المرضى من البشر أو الحيوانات، وغير ذلك من البدائل. فما الحكم الشرعي في ذلك في ضوء ما ذكرناه؟

لا يجوز شرعًا اللجوء إلى تشريح الحيوانات الحية بغرض الدراسة إلا عند عدم توافر أي وسيلة أخرى مثل البدائل المذكورة في السؤال، أو عند عسر اللجوء إليها؛ لأن الشريعة نهت عن الاعتداء على الحيوان بغير سبب؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ -أيْ رَفَعَ صَوْتَهُ- إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ» رواه النسائي.
وإذا قلنا بالجواز عند الضرورة إلى ذلك فإنه لا بد من الرحمة بالحيوان محل التجربة؛ فإذا تعين استعمال الحيوان بما يقتضي جرحه أو قتله مثلًا فيجب أن يتم تخديره حتى لا يتألم، ما لم يكن مُحتاجًا إلى عدم تخديره لدراسة جهازه العصبي مثلًا، وأن يسارع إلى قتله بشكل رحيم بعد الانتهاء من التجربة إذا لم يمكن علاجه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذَّبْحَ» رواه مسلم، وتكون الأولوية عند إجراء التجارب على الحيوانات التي أذن الشارع في قتلها.

المحتويات

 

تسخير الله تعالى المخلوقات للإنسان

يقول الله تعالى في كتابه الكريم مُمْتَنًّا على عباده: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29]، وهذا شامل لجميع المنافع، فمنها ما يتصل بالحيوان والنبات والمعادن والجبال، ومنها ما يتصل بضروب الحِرَف والأمور التي استنبطها العقلاء، وبَيَّن تعالى أن كل ذلك إنما خلقه كي يُنتفع به في الدين والدنيا، أما في الدنيا؛ فليصلح أبداننا ولنتقوى به على الطاعات، وأما في الدين؛ فللاستدلال بهذه الأشياء والاعتبار بها، كما قال عز وجل: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجاثية: 13]، والدواب من جملة ما خلقه الله تعالى لنفع بني آدم، والانتفاع له أشكال مختلفة: فقد يكون الانتفاع بالأكل، أو بالركوب، أو بالعمل، ونحو ذلك من ضروب الانتفاعات، ولا شك أن استخدام الحيوان في مجال التجارب والبحث العلمي والتدريب الأكاديمي هو أيضًا شكل من أشكال الانتفاع، ولكن هذا مقيدٌ بألا يكون فيه تعذيب للحيوان بلا مُسَوِّغ.

الرفق والرحمة بالحيوانات

الشرع الشريف قد حَضَّ على الرحمة، ونهى عن الاعتداء بشكل عام، فقال تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقال عز وجل: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]، وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ»، وروى أبو داود والترمذي وحَسَّنه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ»، وروى الترمذي وقال: حسن صحيح، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».
وقد اعتبر الشرع الرحمة بالحيوان والرفق به بابًا لدخول الجنَّة، كما اعتبر القسوة عليه وتعذيبه بابًا لدخول النار؛ فروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «غُفِرَ لامْرَأةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ -أيْ بِئْرٍ- يَلْهَثُ قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ»، ورُوٍيَ أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِى هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ؛ لا هِىَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلا هِىَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» رواه مسلم.

ضوابط استخدام الحيوانات في التجارب العلمية

لا بُدَّ من الرحمة بالحيوان محلِّ التجربة أو المُسْتَخْدَم كوسيلة تعليمية، وإذا كان ما يستخدم فيه سواء أكان تجربةً أم تعليمًا يقتضي جرحه أو قتله حالًا أو مآلًا فلا يجوز شرعًا اللجوء إليه إلا عند عدم وسيلة أخرى كالبدائل المذكورة في السؤال، أو عند عسر اللجوء إليها، ويكون استعمال الحيوان في مثل هذه الأوجه من باب الرخصة التي لا يُتَوَسَّع فيها، فإذا كانت الحاجة تندفع بواحدٍ لم يَجُزْ أن يُستَعمَل اثنان وهكذا؛ لأنه حينئذٍ ينتقل هذا الفعل من مرتبة الضرورة أو الحاجة التي يباح بمثلها المحظور إلى التَّلَهِّي بقتل أو بتعذيب ذي الروح، وهو ممنوع شرعًا.
وقد روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا»، والغرض هو: ما يُنصَب ليُرمى إليه؛ قال المناوي في "فيض القدير" (6/ 347، ط. المكتبة التجارية الكبرى) مُعَلِّلًا النهي الوارد في الحديث: [لما فيه من الجرأة والاستهانة بخلق الله، والتعذيب عبثًا] اهـ، وروى النسائي عن الشريد بن سويد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ -أيْ رَفَعَ صَوْتَهُ- إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ»، وروى أيضًا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلَّا سَألَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: «يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا»، وروى البخاري في "صحيحه" عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن مَن مَثَّل بالحيوان"؛ أي جعله مُثلةً بتشويهه بقطع عضو من أعضائه مثلًا، فإذا تعين استعمال الحيوان في التجارب العلمية أو كوسيلة تعليمية بما يقتضي جرحه أو قتله فيجب أن يتم تخديره حتى لا يتألم، ما لم يكن محتاجًا إلى عدم تخديره لدراسة جهازه العصبي مثلًا، وأن يسارع إلى قتله بشكل رحيم بعد الانتهاء من التجربة إذا لم يمكن علاجه، وقد روى مسلم عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»، وتكون الأولوية عند إجراء التجارب ونحوها أن تتم على الحيوانات التي أذن الشرع بقتلها مظنة عدم حصول الأذى منها مع عدم توفر طريقة أخرى لدرء أذاها، وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خَمْسٌ فواسق يُقْتَلْنَ في الحرم: الْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَاةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» متفق عليه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ومعنى فسقهن: خروجهن عن حد الكف عن الخلق إلى الأذية والإفساد.
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (4/ 173، ط. دار إحياء التراث العربي): [كل ما آذى الناس وضرهم في أنفسهم وأموالهم يباح قتله؛ لأنه يؤذي بلا نفع... وما لا مضرة فيه لا يباح قتله] اهـ.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل يجوز شرعًا زرع خصية مأخوذة من شخص لآخر قريب له من الدرجة الأولى؟


ما حكم لبس قناع الوجه الطبي (Face Shield) للرجل المُحرم؛ توقيًا من الإصابة بالأوبئة والأمراض، خصوصًا إذا ثبت خطرها وإمكان انتقالها عن طريق العدوى؟ علمًا بأن هذا القناع شفافٌ، ويُثَبَّتُ بحاملٍ أعلى الجبهة وعلى جانبي الرأس، ولا يكون ملاصقًا للوجه.


ما حكم تركيب الأظافر الصناعية (الأكريليك) للتداوي؟ حيث تحتاج بعض النساء لتركيبها تعويضها عما سقط من أظفارها، أو لإخفاء بعض عيوب الأظافر الخلقية؛ كالنتوءات والتقصف، أو للوقاية من بعض الأمراض؛ كانفكاك الأظافر، وتيبُّسِها، وهشاشتها. وهل يسري على ذلك ما إذا احتاجت لتركيبها للحماية من عادة قضم الأظافر وتقصيفها؟ وما حكم الوضوء مع وجودها في كل هذه الحالات؟


أرغب في إجراء عملية حقن مجهري لزوجتي وتحديد نوع الجنين، فهل ذلك يجوز شرعًا؟


ما حكم الاستفادة من الأجنة المجهضة في التجارب العلمية والعلاج وزراعة الأعضاء؟


يقول السائل: يعاني صديق لي من مرض نفسي يحتاج إلى المتابعة مع الطبيب النفسي والعلاج؛ فهل يجب على مَن يُعَالج من مرض نفسي أن يخبر مخطوبته بذلك؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 18 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :51
الشروق
6 :24
الظهر
12 : 59
العصر
4:35
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :56