ما حكم اشتراط الزوجة إكمال تعليمها والعمل بعد الزواج؟ فقد اشترطت زوجة لنفسها في عقد الزواج الشرط الآتي نصه: "تشترط الزوجة إتمام دراستها الجامعية، والعمل بعد التخرج وأداء الخدمة العامة"، ووافق الزوج على هذا الشرط، ودوَّنه المأذون بخطه على القسيمة الأولى من قسائم العقد، وحين تسلم الوثائق من المأذون لم يوجد هذا الشرط مدوَّنًا عليها، واعتذر المأذون بأن المحكمة ألغت القسيمة الأولى؛ لأن هذا الشرط يمنع من توثيق عقد الزواج.
والسؤال:
أ- هل من حق الزوجة أو وكيلها أن تشترط هذا الشرط في عقد الزواج حرصًا على مستقبلها؟
ب- هل في هذا الشرط مخالفة للدين والشرع؟
ج- هل يمنع هذا الشرط أو أي شرط آخر غير مخالف للدين والشرع توثيق القسائم في المحكمة والسجل المدني؟
د- هل يمنع قانون الأحوال الشخصية مثل هذا الشرط؟
حكم اشتراط الزوجة إكمال تعليمها والعمل بعد الزواج
يحقُّ للزوجة أن تشترط في عقد الزواج لنفسها أي شرط يحقق مصلحتها ولا يعارض مقتضى العقد، كشرط إكمال الدراسة أو العمل، فهذا الشرط في ذاته لا مخالفة فيه للدين، لكن المأذون ممنوعٌ وفقًا للائحة المأذونين من تدوين مثل هذه الشروط في وثيقة الزواج، على أنه يمكن كتابة هذا الشرط أو غيره مما يتفق عليه الزوجان ويدخل في نطاق الشروط الصحيحة شرعًا في أيِّ ورقة أخرى، وقانون الأحوال الشخصية لا يمنع مثل ذلك، إلا أنه قد اعتدَّ به شرطًا مانعًا للحكم بنشوز الزوجة إذا خرجت دون إذن الزوج لإتمام دراستها أو للعمل ولم يضع جزاءً ملزمًا للزوج بتنفيذه، كما لم يعطِ للزوجة حق طلب الطلاق بسببه.
التفاصيل ....المحتويات
- انعقاد عقد الزواج المنجز
- أنواع الشروط المقترنة بعقد الزواج
- حكم الوفاء بالشرط الصحيح المقترن لعقد الزواج
- حكم اشتراط الزوجة إكمال تعليمها والعمل بعد الزواج
انعقاد عقد الزواج المنجز
إن عقد الزواج متى تم بإيجاب وقبول منجزًا مستوفيًا باقي شروطه الشرعية كان عقدًا صحيحًا مستتبعًا آثاره من حقوق وواجبات لكل واحد من الزوجين، والعقد المنجز: هو الذي لم يُضَفْ إلى المستقبل، ولم يُعَلَّق على شرط، لكنه قد يقترن بالشرط الذي لا يخرجه عن أنه حاصل في الحال بمجرد توافر أركانه وشروطه الموضوعية.
أنواع الشروط المقترنة بعقد الزواج
الشرط المقترن بعقد الزواج لتحقيق مصلحة لأحد الزوجين ثلاثة أقسام:
أحدها: الشرط الذي ينافي مقتضى العقد شرعًا كاشتراط أحد الزوجين تأقيت الزواج أي تحديده بمدَّة أو أن يطلقها في وقت محدد فمثل هذا الشرط باطل ويبطل به العقد باتفاق الفقهاء.
الثاني: الشرط الفاسد في ذاته، مثل أن يتزوجها على ألا مهر لها، أو ألا ينفق عليها، أو أن تردَّ إليه الصداق، أو أن تنفق عليه من مالها، فهذا وأمثاله من الشروط الباطلة في نفسها؛ لأنها تتضمن إسقاطًا أو التزام حقوق تجب بعد تمام العقد لا قبل انعقاده، فصحَّ العقد وبطل الشرط في قول جميع الفقهاء.
الثالث: الشرط الصحيح عند أكثر الفقهاء وهو ما كان يقتضيه العقد كاشتراطه أن ينفق عليها، أو أن يحسن عشرتها، أو كان مؤكدًا لآثار العقد ومقتضاه؛ كاشتراط كفيل في نفقتها وصداقها، أو ورد به الشرع؛ كاشتراط الزوج أن يطلقها في أي وقت شاء، أو اشتراطها لنفسها أن تطلق نفسها متى شاءت، أو جرى به عرف؛ كأن تشترط الزوجة قبض صداقها جميعه أو نصفه، أو يشترط هو تأخير جزء منه لأجل معين حسب العرف المتبع في البلد الذي جرى فيه العقد، وقد يكون الشرط غير منافٍ لعقد الزواج كما لا يقتضيه العقد، وإنما يكون بأمر خارج عن معنى العقد؛ كالشروط التي يعود نفعها إلى الزوجة، مثل: أن تشترط ألا يخرجها من دارها أو بلدها أو ألا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، فهذا أيضًا من باب الشروط الصحيحة.
حكم الوفاء بالشرط الصحيح المقترن لعقد الزواج
الفقهاء اختلفوا في وجوب الوفاء بها على طائفتين:
إحداها: أن هذه الشروط وأمثالها وإن كانت صحيحة في ذاتها لكن لا يجب الوفاء بها وهو قول الأئمة أبي حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي والليث والثوري.
الطائفة الأخرى: أن الشرط الصحيح الذي فيه نفع وفائدة للزوجة يجب الوفاء به، فإذا لم يفِ به الزوج كان للزوجة طلب الطلاق قضاء، روي هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وأحمد بن حنبل، وأدلة كل من الطائفتين على ما قال مبسوطة في محلِّها من كتب الفقه.
حكم اشتراط الزوجة إكمال تعليمها والعمل بعد الزواج
لما كان ذلك وكانت الزوجة في العقد المسؤول عنه قد اشترطت لنفسها إتمام دراستها الجامعية والعمل بعد التخرج وأداء الخدمة العامة، وكان هذا الشرط داخلًا في نطاق القسم الثالث للشروط بمعنى أنه من الشروط الصحيحة ذات النفع والفائدة للزوجة كان جائزًا، لكن لا يجب الوفاء به في قول جمهور الفقهاء، ويلزم الوفاء به في قول الإمام أحمد بن حنبل ومن وافقه، ولما كان هذا الشرط باعتباره اشتراط العمل للزوجة بعد الانتهاء من دراستها قد أقره القانون رقم 44 لسنة 1979م الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية أخذًا بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، لكن هذا القانون قد اعتدَّ به شرطًا مانعًا للحكم بنشوز الزوجة إذا خرجت بدون إذن الزوج لإتمام دراستها أو للعمل ولم يضع جزاءً ملزمًا للزوج بتنفيذه، كما لم يعطِ للزوجة حق طلب الطلاق كما يقول مذهب الإمام أحمد عند عدم الوفاء بالشرط الصحيح الذي يعود نفعه وفائدته على الزوجة، ولما كان القضاء يجري في خصوص انعقاد الزواج وشروطه وفي كثير من أحكام الأحوال الشخصية على أرجح الأقوال في فقه الإمام أبي حنيفة الذي لا يلزم الزوج بالوفاء بمثل هذا الشرط توقف العمل به قضاء إلا في حال النشوز فقط كما تقدم.
ولما كانت لائحة المأذونين لم تبح للمأذون تدوين أي شروط للزوجين أو لأحدهما مقترنة بعقد الزواج يكون موقف المأذون صحيحًا في حدود اللائحة التي تنظم عمله، لا سيما ووثيقة الزواج قد أُعِدَّت أصلًا لإثبات العقد فقط حمايةً لعقود الزواج من الجحود؛ وذلك لخطورة آثارها في ذاتها على المجتمع، على أنه يمكن كتابة هذا الشرط أو غيره مما يتفق عليه الزوجان ويدخل في نطاق الشروط الصحيحة شرعًا في أية ورقة أخرى غير وثيقة الزواج التي لا يتسع نطاقها القانوني لغير بيانات عقد الزواج ذاته.
ومما تقدم يتضح أن الشرط الوارد في السؤال من الشروط الخارجة عن ماهية عقد الزواج المقترنة به، وفيه نفع وفائدة للزوجة، ويدخل بهذا ضمن الشروط الصحيحة التي يجوز اشتراطها، لكن لا يلزم الوفاء به في رأي جمهور الفقهاء، ويجب الوفاء به في مذهب الإمام أحمد بن حنبل ومن وافقه، والشرط ذاته لا مخالفة فيه للدين، لكن المأذون ممنوع وفقًا للائحة المأذونين من تدوين أية بيانات لا تحوي الوثيقة موضعًا لها ومنها الشروط فيما عدا الكفالة وما يختص بالمهر وغيره من البيانات الواردة فيها، وقانون الأحوال الشخصية رقم 44 لسنة 1979م وإن أجاز للزوجة اشتراط العمل لمصلحتها ودرءا للنشوز لم يرتب على هذا الشرط جزاء على الزوج، سوى إجازته لها الخروج للعمل المشروط دون إذنه، ولا تعد ناشزًا بهذا الخروج وبالقيود التي وردت فيه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.