ما القدر الذي إذا أدركه المصلي مع الإمام من صلاة الجمعة يكون مدركًا لها؟
إذا لحق المأمومُ الإمامَ قبل الرَّفع من ركوع الرَّكعة الثانية من صلاة الجمعة ولو بقدرِ تسبيحةٍ واحدةٍ يقولها في الركوع؛ فإنه بذلك قد أدرك الجمُعة؛ فيقوم بعد تسليم الإمام ويكمل ركعةً منفردًا، أما إذا دخل مع الإمام بعد أن انتهى من ركوع الركعة الثانية فإنه والحالة هذه يُتِمُّ الصلاة ظهرًا أربعًا من غير أن يستأنف لذلك نيةً جديدة، وهذا ما عليه الفتوى أخذًا برأي جمهور الفقهاء، خلافًا لما عليه العمل في مذهب السادة الحنفية من إدراك الجمعة بإدراك الإمام في التشهد أو في سجدتي السهو.
المحتويات
صلاة الجمعة شعيرة من أهم شعائر الدين لا يجوز التخلف عنها إلا لعذر شرعي؛ إذ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9].
وأخرج الدارقطني في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ، فَمَنِ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللهُ عَنْهُ، وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ».
فمن تخلف عنها لغير عذر كان آثمًا؛ لما سبق من الأدلة، ولما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ»؛ لذا فإنه يجب على المسلم أن يحرص على أدائها تحصيلًا للثواب، ووقايةً لنفسه من التعرض لعقاب الله عز وجل على تركها.
يجب على المسلم أن يبادر بالحضور لصلاة الجمعة بعد سماع النداء؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9].
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (30/ 542، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ﴾ يعني: النداء إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة.. لأنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نداء إلا إذا جلس النبي عليه الصلاة والسلام على المنبر] اهـ.
وقال أيضًا في المرجع السابق: [وقوله: ﴿إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾: الذِّكْر: هو الخطبة عند الأكثر من أهل التفسير، وقيل: هو الصلاة] اهـ.
فإذا تأخر المصلي عن الحضور إلى الجمعة حتى دخل الإمام في الصلاة فإنَّ العلماء قد اختلفوا فيما يكون به مدركًا للصلاة:
- فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، وهو قول ابن مسعود، وابن عمر، وأنس من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقول سعيدٍ بن المسيب، والحسنِ، وعلقمة، والأسود، وعروة، والزهري، والنخعي من التَّابعين، ولا مخالف لهم في عصرهم؛ ذهبوا إلى أن المصلي لا يكون مدركًا للجمعة إلا بإدراك ركعة على الأقل؛ قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 231، ط. مكتبة القاهرة): [ولأنه قول مَن سَمَّينا من الصحابة، ولا مخالفَ لهم في عصرهم] اهـ.
قال العلَّامة السرخسي في "المبسوط" (2/ 35، ط. دار المعرفة): [وقال محمد رحمه الله تعالى: يصلي أربعًا؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً، فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى، فَإِنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا صَلَّى أَرْبَعًا»] اهـ.
وقال العلَّامة ابن رشد في "البيان والتحصيل" (1/ 292، ط. دار الغرب الإسلامي): [سئل مالك عن الرجل لا يدرك من الجمعة إلا التشهد، فيقعد مع الإمام بتكبيرة فيتشهد ثم يسلم الإمام؛ أيركع ركعتين نافلةً، أو يقوم يصلي أربعًا؟ قال: بل يصلي أربعًا كما هو إذا سلم الإمام] اهـ.
وجاء في "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني (1/ 567، ط. دار الكتب العلمية): [(مَن أدرك) مع إمام الجمعة (ركوعَ) الركعة (الثانيةِ.. أدرك الجمعة) أي: لم تّفُتْهُ.. (وإن أدركه) أي: الإمام (بعده) أي: بعد ركوع إمامه (فاتته) أي: الجمعة؛ لمفهوم الحديث المتقدِّم (فيُتِمُّ بعد سلامه) أي: الإمام (ظهرًا أربعًا) من غير استئنافِ نيةٍ لفوات الجمعة] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 231، ط. مكتبة القاهرة): [أكثر أهل العلم يرون أن مَن أدرك ركعةً من الجمعة مع الإمام فهو مُدرِكٌ لها؛ يضيف إليها أخرى ويجزئه.. أما مَن أدرك أقلَّ من ركعةٍ فإنه لا يكون مدركًا للجمعة، ويصلي ظهرًا أربعًا] اهـ.
وقد استدل الجمهور على صحة ما ذهبوا إليه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه ابن خزيمة في "صحيحه": «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ».
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 232): [ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ»، فمفهومه: أنه إذا أدرك أقل من ذلك لم يكن مدركًا لها] اهـ.
ويؤيد هذا ما رواه الدارقطني في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى فَلْيُصَلِّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا».
قال العلامة الشيرازي في "المهذب" في فقه الإمام الشافعي (1/ 179، ط. دار الكتب العلمية): [وإن أدرك معه مقدار الركوع الجائز فقد أدرك الركعة، وإن لم يُدرك ذلك لم يدرك الركعة؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى فَلْيُصَلِّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا] اهـ.
واستدل الجمهور بالقياس على انفضاض المصلين قبل أن يسجد الإمام في الركعة الأولى، فإنهم إذا انفضوا والحالة هذه فلا جمعة لهم، فكذا من لم يدرك ركعة مع الإمام؛ لا جمعة له.
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 232، ط. مكتبة القاهرة): [ولأنه لم يدرك ركعة؛ فلم تصح له الجمعة؛ كالإمام إذا انفضوا قبل أن يسجد] اهـ.
وذهب الحنفية إلى أنه يكون مُدركًا للجمعة إذا أدرك الإمامَ في التشهد أو في سجدتي السهو فاقتدَى به.
قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (2/ 35، ط. دار المعرفة): [ومن أدرك الإمامَ في التشهد في الجمعة أو في سجدتي السهو فاقتدى به فقد أدركها، ويصليها ركعتين في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى] اهـ.
ويحصل إدراك الركوع في مذهب الجمهور بمقدار تسبيحة واحدة مع الإمام.
قال العلامة البدر العيني في "البناية شرح الهداية" (2/ 231، ط. دار الكتب العلمية): [قال أبو يوسف: فرض طمأنينة الركوع والسجود مقدار تسبيحة واحدة.. (وهو قول الشافعي رحمه الله) أي: ما ذهب إليه أبو يوسف هو قول الشافعي، وبه قال أحمد أيضًا] اهـ.
وقال العلامة الطحطاوي في "حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 229، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: (وأما التعديل) أي: الطمأنينة بمقدار تسبيحة واحدة، وصحح قولَ أبي يوسف بعضُ أهل المذهب، فالاحتياط في مراعاته] اهـ.
وقال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 320، ط. دار الفكر): [(وإنما يحصل فضلها.. بركعةٍ) كاملة يدركها مع الإمام؛ بأن يمكن يديه من ركبتيه أو مما قاربهما قبل رفع الإمام وإن لم يطمئن إلا بعد رفعه] اهـ.
وقال النووي في "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (1/ 251، ط: المكتب الإسلامي): [قال أصحابنا: وأقل ما يحصل به الذكر في الركوع، تسبيحة واحدة] اهـ.
وقال ابن قدامة في "المغني" (1/ 361، ط: مكتبة القاهرة): [قال: (ويقول: "سبحان ربي العظيم" ثلاثًا، وهو أدنى الكمال، وإن قال مرَّة أجزأه) وجملة ذلك: أنه يُشرَع أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم. وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي؛ لما رواه أبو داود عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لما نزلَتْ ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: 74] قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» رواه أحمد وأبو داود.. ويجزئ تسبيحة واحدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالتسبيح في حديث عقبة ولم يذكر عددًا، فدلَّ على أنه يجزئ أدناه] اهـ.
بناءً على ذلك: فعلى مذهب الجمهور: إذا لحق المأمومُ الإمامَ قبل الرَّفع من ركوع الرَّكعة الثانية ولو بقدرِ تسبيحةٍ واحدةٍ؛ فإنه يكون قد أدرك الجمُعةَ، ثمَّ يقوم ويكمل ركعةً منفردًا، وإن دخل المصلي مع الإمام وقد انتهى من ركوع الركعة الثانية فإنه والحالة هذه يُتِمُّ الصلاة ظهرًا أربعًا، ويكون قد نوى جمعةً وصلَّاها ظهرًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: نرجو منكم بيان مذاهب الفقهاء في أكثر عدد ركعات صلاة الضحى.
إذا دخل رجلٌ المسجدَ ووجد الإمام راكعًا، فركع قبل أن يرفع الإمام رأسه، فهل تعد هذا ركعة كاملة للمأموم أم لا؟
ما هو عدد ركعات صلاة الضحى؟ فإنَّ رجلًا يحافظ على أداء صلاة الضحى اثنتي عشرة ركعةً يوميًّا، وقرأ في أحد الكتب أن أكثرها ثماني ركعات، ويسأل: ما حكم ما يفعله مِن المداومة على صلاة الضحى اثنتي عشرة ركعة؟
ما فضل الإمامة في الصلاة؟ وما الشروط التي يجب توافرها في الإمام؟
ما حكم صلاة الفريضة على الكرسي؟ حيث يقول السائل: إن ظاهرة صلاة الفريضة جماعة في المسجد على الكرسي هي من الأمور المحدثة التي تفتقد الشرط الثاني للعبادة، وهو الموافقة للشرع وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإن ظهور بعض الفتاوى بصحَّة صلاة الجماعة على الكرسي، مستندةً إلى حديث صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسافرًا على الدابة لصلاة النافلة، وليس الفريضة، في حين أن هذا لا ينطبق على صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا نفلًا ولا فرضًا ولا مقيمًا ولا مسافرًا، فلم يثبت عنه ذلك الأمر ألبتة، كل ذلك دفعني إلى أن أبيِّن أدلة عدم صحة الصلاة للجالس على الكرسي؛ فالكرسي كان موجودًا فعلًا في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كرسي يستعمله في غير الصلاة، ولم يستعملْه ألبتة هو وأصحابه في الصلاة حال الصحَّة أو المرض ولا في الفريضة ولا في النافلة ولا في السفر ولا في الحضر، وحين مرض الرسول مرضًا شديدًا أعجزه عن الصلاة قائمًا قَعَدَ على الأرض ولم يجلسْ على كرسي أو غيره، وثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى النافلة مسافرًا على الدابة، فإذا حضرت الفريضة نَزَلَ واستقبل القبلة وصلَّى قائمًا، ولم يستعمل كرسيًّا ولا غيره. كما أن الصلاة بالجلوس على الكرسي تؤدِّي إلى مفاسدَ كثيرةٍ، منها:
إسراف العوام والمقلدين من الأمة في استعمال الكرسي في الصلاة دون ضوابطَ شرعيةٍ.
عدم استواء الصف وما له من أثر في قبول الصلاة.
تضييق المجال على الصف خلف الكرسي في السجود.
إسراف بعض المصلين في بعض البلدان باستخدام أرائكَ طويلةٍ مثل التي في الكنائس، مما يؤدِّي إلى تحوُّل المساجد في مظهرها إلى كنائسَ، وهذا محظورٌ شرعًا بلا جدال؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: 23].
أنها تمنع من السجود على الأرض الواجب لصحة الصلاة لمن يقدر عليه.
فعدمُ استعمال النبي للكرسي في الصلاة وعدمُ ترخيصه بذلك لصحابته، بالإضافة إلى المفاسد الناجمة عن استعمال الكرسي في الصلاة، كلُّ هذا يشير إلى أن من يجيز استعمالَه فإنه يتعدَّى بذلك تعدِّيًا عقديًّا عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو على خطرٍ عظيم وحافة هاوية يكاد يقع فيها مَن يتبنى مثلَ هذا الرأي.
هل يوجد أوصاف حددها الشرع الشريف للمؤذن؟ فهناك رجل يحافظ على أداء الصلوات الخمس في مسجد صغير بإحدى القرى، ويؤذن به لوقت كلِّ صلاة، ويسأل عن الأوصاف التي يَطلب الشرعُ الشريفُ توافُرَها في المؤذن.