مدى إجزاء الحج والعمرة لمن يقوم بمساعدة غيره في أداء المناسك

تاريخ الفتوى: 12 مارس 2024 م
رقم الفتوى: 8318
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الحج والعمرة
مدى إجزاء الحج والعمرة لمن يقوم بمساعدة غيره في أداء المناسك

ما حكم الحج والعمرة لمن يقوم بمساعدة غيره في أداء المناسك؟ فوالدتي سيدة كبيرة ولا تستطيع الحركة بمفردها، ولذلك سأكون معها بالكرسي المتحرك في الطواف والسعي، هل مناسك العمرة والحج بالنسبة لي تكون صحيحة أو أنه لا بد أن أساعد والدتي أولًا حتى تنتهي هي من طوافها وسعيها ثم أؤدي المناسك الخاصة بي؟

مناسكَ الحج والعمرة صحيحةٌ شرعًا بالنسبة للسَّائل إذا قام بمساعَدة والدته المسِنَّة في الطواف والسَّعي بدفعها وهي على الكرسي المتحرك، ولا يُشترط الاستقلالُ في أداء النسك بحيث يترك مساعدة الغير إلى وقت آخر غير وقت أدائه، بل يجوز ضمُّ أحدهما للآخر، ويكون ذلك مجزئًا عن طوافهما وسعيهما معًا ما دام ينوي النسك عن نفسه أو عن نفسه ومَن يقوم بدفعه أو حمله.

المحتويات

 

تقديم بر الوالدين على حج بيت الله الحرام

الحجُّ والعمرةُ من شعائر الإسلام، وقد اشتَمَلتا على معاني الطاعةِ والانقياد لله سبحانه وتجديدِ التوبة، مع ما ينالُ العبدَ من غفرانِ ذنوبه وتكفير خطاياه، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العمرةُ إلى العمرةِ كفارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلى الجنَّة» متفق عليه.

ومن أجْل ذلك؛ جاءت السنةُ النبوية باستحباب المُتابعة بين الحجِّ والعمرة، فقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ» رواه الترمذي في "سننه".

وبرُّ الوالدين فرضُ عيْنٍ على كلِّ مكلف، قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (3/ 269، ط. دار الكتب العلمية): [وبِرُّ الوالدين فرضٌ يتعيَّن عليه؛ لأنه لا ينوب عنه فيه غيره] اهـ.

بل إنَّ الله عزَّ وجلَّ قرن برَّهما بعبادته، فقال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: 36]، وقرن شكرَهما بشُكره، فقال سبحانه: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: 14].

وإذا اجتمعَت عبادةُ الحج مع عبادة برِّ الوالدين، قُدم بر الوالدين؛ لأن الحجَّ واجبٌ على التراخي، والبر واجبٌ فورًا.

وقد جاء في حديث الخثعميَّة أنَّها قالت: يا رسول الله، إنَّ فريضة الله على عباده في الحجِّ أدركَتْ أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبُت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: «نَعَمْ» متفقٌ عليه.

قال الإمام ابنُ العربي في "أحكام القرآن" (1/ 379، ط. دار الكتب العلمية): [مقصود الحديثِ: الحثُّ على بر الوالدين والنظر في مصالحهم دينًا ودنيا، وجلبُ المنفعة إليهما، جِبلة وشرعًا] اهـ.

مدى إجزاء الحج والعمرة لمن يقوم بمساعدة غيره في أداء المناسك

ذهاب مرضى الشيخوخة من كبار السن للحجِّ حال تمكُّنهم مِن الوصول إلى مكة وأداء المناسك -لا مانع مِنه شرعًا إذا وجدوا مَن يُساعِدهم، كالابن السَّائل ونحوه، ويكون حجُّهم صحيحًا مجزِئًا وتسقط به الفريضة.

ويدلُّ عليه: ما رواه البخاري في "الأدب المفرد" عن أبي بُردَة، وابن المبارك في "البر والصلة" عن الحَسَن، أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى رجلًا يطوف بالبيت، حمل أمَّه وراء ظهره، يقول:

إِنِّي لَهَــا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلُ ... إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرِ

ثم قال: يا ابن عمر أتراني جَزَيْتُها؟ قال: لا، ولا بزفرَة واحدة.

وورد في "مسند البزار" مرفوعًا: عن بُريدة رضي الله عنه، أن رجلًا كان في الطواف حاملًا أمَّه يطوف بها فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل أديتُ حقَّها؟ قال: لا، ولا بزَفْرة واحدة، أو كما قال.

أمَّا مساعدةُ المتنسك لوالدتِه المُسِنَّة التي لا تستطيع الحركة بمفردها في الطواف والسعي إلا باستخدام الكرسي المتحرك -وهو المسؤولُ عنه-، فلا حرج في ذلك، ويُجزئ ذلك عن طوافهما وسعيهما معًا؛ إذ لا تعلُّق لطوافِ أحدهما بطوافِ الآخر، ومثله السَّعي، وذلك لأن حركة الكرسي المتحرك تكون عن طريق الدفع على أرضِ المَطاف والمَسعى، وقد صرح فقهاء الشافعية بجواز هذه الصورة بشرط ألا يقصد الدافع المشي لأجل المحمول فقط.

قال الحافظ العراقي الشافعي في "تحرير الفتاوى" (1/ 605، ط. دار المنهاج) في التنبيه الثالث في مسألة حمل المحرم في الطواف: [لو لم يحمله، ولكن جعله في شيء موضوع على الأرض وجذبه، فهل يلتحق بالمحمول؟ لم أر فيه نقلًا، وفيه نظرٌ، وقد يتناوله قول "الحاوي": (بمحرمين) فإن طوافه به أعم مِن حمله، فيتناول هذه الصورة] اهـ.

وقال العلامة شمس الدين الرملي في "نهاية المحتاج" (3/ 290، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية الشبراملسي"): [وخرج بقوله "حمل": ما لو جعله في شيء موضع على الأرض أو سفينة وجذبه فيقع للحامل والمحمول مطلقًا، إذ لا تعلق لطواف كل منهما بطواف الآخر لانفصاله عنه] اهـ.

قال العلامة الشبراملسي مُحَشِّيًا عليه: [وقوله "مطلقا" أي: سواء نوى الحامل نفسه أو هما أو أطلق أما لو نوى المحمول فقط فقد صرف فعله عن طواف نفسه] اهـ.

وقد تتابعت نصوصُ فقهاء المذاهب المتبوعة على جوازِ الركوب في الطوافِ والسَّعي للعُذر.

قال العلامة الشِّلْبيُّ الحنفي في "حاشيته على تبيين الحقائق" (2/ 20، ط. الأميرية): [قال في "الغاية": وإن سعى راكِبًا لعُذرٍ فلا شيء عليه، وبغير عذْر عليه دم، كما في الطوافِ] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (2/ 40، ط. دار الفكر): [المشي في كلٍّ مِن الطواف والسَّعي واجِبٌ على القادِر عليه، فلا دم على عاجز طاف، أو سعى راكِبًا، أو محمولًا] اهـ.

وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 258، ط. دار الكتب العلمية) في سياق بيانه شروطَ الطواف: [أن يكون ماشيًا إلا لعُذر، فإن رَكِبَ بلا عذْر لم يُكره اتفاقًا، كما في "المجموع"] اهـ.

وقال العلامة منصور البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 573، ط. عالم الكتب): [(ومَن طاف راكبًا أو محمولًا: لم يجزه) طوافُه كذلك (إلَّا) إن كان ركوبُه أو حملُه (لعُذر)... (و) حكم سعي (راكبًا كطوافٍ) راكبًا نصًّا فلا يُجزِيه إلَّا لعُذر] اهـ.

الخلاصة

بناء على ذلك فنقول في واقعة السؤال: إن مناسكَ الحج والعمرة صحيحةٌ شرعًا بالنسبة للسَّائل إذا قام بمساعَدة والدته المسِنَّة في الطواف والسَّعي بدفعها وهي على الكرسي المتحرك، ولا يُشترط الاستقلالُ في أداء النسك بحيث يترك مساعدة الغير إلى وقت آخر غير وقت أدائه، بل يجوز ضمُّ أحدهما للآخر، ويكون ذلك مجزئًا عن طوافهما وسعيهما معًا ما دام ينوي النسك عن نفسه أو عن نفسه ومَن يقوم بدفعه أو حمله، كما سبق بيانه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم من بيت النية بالعمرة ولم يتلفظ بها عند الميقات؟ فهناك رجلٌ أكرمه اللهُ بالعمرة، ونَوَى الإحرام قبل الميقات بعدما تجرَّد مِن المخيط ولبس ملابس الإحرام الخاصة، لكنه نَسِيَ التلفُّظَ بالتَّلْبِيَة عند المرور بالميقات، ولم يتذكر إلا بعده، فلَبَّى عند مَوضِع تَذَكُّرِهِ، فهل إحرامه صحيحٌ شرعًا؟


ما حكم نيابة المرأة في العمرة عن الرجل المريض؟ حيث إن هناك رجلًا عنده مالٌ يكفي للعُمرة، لكنه مريضٌ عاجزٌ، وليس لديه قدرةٌ بدنيَّة على تَحَمُّل السفر ومَشقَّته ومجهود الطواف والسعي، فهل يجوز له أن يَستنيبَ أختَه في العُمرة بدلًا عنه؟


ما حكم من يقول بأن الحج ما هو إلا بقايا عبادة وثنية؟


هل يلزم مَن أصبح مفطرًا في نهار رمضان لمرض ثم برئ منه أثناء يومه أن يمسك بقيته؟


هل يجب الصيام على مريض الزهايمر، أو يجوز له أن يُفطر؟ وهل يجب عليه القضاء إذا أفاق؟


ما حكم الإنفاق على الفقراء بدلا من الحج والعمرة في أيام الوباء؟ فمع انتشار وباء كورونا قامت السلطات السعودية بتأجيل العمرة، كما قامت بقصر الحج على حجاج الداخل من السعودية فقط؛ تحرزًا من انتشار عدوى الوباء، وأمام حزن الكثيرين ممن كانوا يحرصون على أداء العمرة بشكل مستمر في شهر رمضان أو غيره من مواسم الطاعات، وكذلك الحج تطوعًا في موسمه، خرجت دار الإفتاء المصرية بمبادرة عنوانها "كأنك اعتمرت": أكثر من ثواب العمرة، تدعو فيها من يريد الذهاب للعمرة إلى إنفاق الأموال المعدة لها، على الفقراء والمساكين والغارمين وأصحاب العمالة اليومية (الأرزقية) وكل من تضرروا بظروف الوباء؛ تفريجًا لكروبهم، وقضاءً لحوائجهم، وإصلاحًا لأحوالهم.
فهل يكون ذلك مساويًا لثواب العمرة والحج تطوعًا فضلًا عن أن يكون زائدًا عليها؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57