ما حكم استعمال ماء زمزم في غير الشرب؟ فبعض الناس يستعمل ماء زمزم في غير الشرب كالوضوء والاغتسال، وما حكم استعماله في إزالة النجاسة؟
استعمال ماء زمزم في غير الشرب في شيء ليس فيه امتهان للماء عند استعماله كالوضوء والاغتسال جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، أما استعماله في شيء يُنبئ عن امتهان الماء عند الاستعمال كنحو إزالة النجاسة به -مثلًا- فيكون حينئذٍ مكروهًا ينبغي تركه، وذلك ما لم يتعين استعماله فيها، فإن تعين لعدم وجود غيره فلا حرج في استعماله حينئذٍ للحاجة التي تدفع الكراهة بها.
المحتويات
ماءُ زمزم ماءٌ مبارك، أكدت نصوص الشرع على خصوصيته وأفضليته، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عن مياهها: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» رواه مسلم.
قال القاضي عياض في "إكمال المُعْلم" (7/ 506-507، ط. دار الوفاء): [ومعناه: يغنى شاربها عن الطعام، أي: أنها تصلح للأكل... ويكون طعم جمع طعوم، أي: أنها تشبع من كثر أكله، وقيل: يكون معناه: طعام مسمن، ومن أسمائها أيضًا: شفاء السقم، ومصونة، وبرة وطيبة، وشراب الأبرار] اهـ.
ومن بركته أنه ينفع الشارب في الأغراض التي يشربه من أجلها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ فَإِنْ شَرِبْتَهُ تَسْتَشْفِي بِهِ شَفَاكَ اللَّهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ مُسْتَعِيذًا عَاذَكَ اللَّهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِيَقْطَعَ ظَمَأَكَ قَطَعَهُ» رواه الحاكم في "المستدرك"، ورواه ابن ماجه، وأحمد من رواية جابر رضي الله عنه بألفاظ متقاربة.
قال العلامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (2/ 44، ط. دار المعارف): [قوله: «ماء زمزم لما شرب له»: أي: فيحصل ما قصده بالنية الحسنة لنفسه أو لغيره] اهـ.
ولهذه الأفضلية نَصَّ العلماء على استحباب الإكثار من الشرب من ماء زمزم.
قال الإمام الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل للخرشي" (2/ 330، ط. دار الفكر): [(ص) وكثرة شرب ماء زمزم، ونقله (ش) أي: ومما يستحب لكل من بمكة أن يكثر من شرب ماء زمزم... ويكثر من الدعاء عند شربه، وليقل: اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، وشفاءً من كل داء، وصحح «ماء زمزم لما شرب له»، ابن عيينة من المتقدمين، والحافظ الدمياطي من المتأخرين] اهـ.
أما عن استعماله في غير الشرب، فهذا الاستعمال لا يخلو من أمرين: إما أن يكون في شيء ليس فيه امتهان للماء عند استعماله كالوضوء والاغتسال، وإما أن يكون في شيء يُنبئ عن امتهان الماء عند الاستعمال كنحو إزالة النجس به مثلًا.
فإذا كان استعماله في شيء لا يوحي بامتهان الماء عند استعماله كالوضوء والاغتسال فإن جمهور الفقهاء على جواز استعماله بلا كراهة، ونص بعضهم على استحبابه في الوضوء والغسل كالمالكية.
قال الإمام الطحطاوي الحنفي في "حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح" (ص: 21-22، ط. دار الكتب العلمية): [فائدة: يجوز الوضوء والغسل بماء زمزم عندنا من غير كراهة بل ثوابه أكبر، وفصَّل صاحب "لباب المناسك" آخر الكتاب فقال: يجوز الاغتسال والتوضؤ بماء زمزم إن كان على طهارة للتبرك] اهـ.
وقال الإمام الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل للخرشي" (2/ 330): [ومما يستحب لكل من بمكة أن يكثر من شرب ماء زمزم ويتوضأ ويغتسل به ما أقام بمكة] اهـ.
وقال الإمام الروياني الشافعي في "بحر المذهب" (1/ 46، ط. دار الكتب العلمية): [لا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم] اهـ.
وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "دقائق أولي النهى لشرح المنتهى" (1/ 16، ط. عالم الكتب): [ولا يكره الوضوء منه ولا الغسل على المذهب] اهـ.
وإذا كان استعماله في شيء يُنبئ عن امتهان الماء عند الاستعمال كنحو إزالة النجس به مثلًا، فإن هذا الاستعمال مكروه، تشريفًا للماء، كما نص على ذلك فقهاء المذاهب، وذكر بعضهم حرمته.
قال الإمام ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 625، ط. دار الفكر): [مطلب في كراهية الاستنجاء بماء زمزم (قوله: يكره الاستنجاء بماء زمزم) وكذا إزالة النجاسة الحقيقية من ثوبه أو بدنه، حتى ذكر بعض العلماء تحريم ذلك] اهـ.
وقال الإمام الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 48-49، ط. دار الفكر): [وقفت على كلام ابن شعبان في "الزاهي"، ونصه في أول كتاب الطهارة: ولا يستعمل ماء زمزم في المراحيض، ولا يخلط به نجس، ولا يزال به، ولا يغسل به في حمام، ولا بأس أن يتوضأ به من سلمت أعضاء وضوئه من النجس، وكذلك يغتسل به من الجنابة من ليس بظاهر جسده أذى، وإن أصاب الفرجين إذا كانا طاهرين انتهى. قال في باب الحج: ويتوضأ منه ولا يغسل به نجس انتهى. والله أعلم. وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة لاضطراب النقول فيها فأردت تحرير ما ظهر لي من كلام أهل المذهب فيها] اهـ.
وقال الإمام العدوي المالكي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 160، ط. دار الفكر): [(قوله: كراهة الوضوء بماء زمزم) قال في "التحقيق": أي: لأنه طعام لقوله عليه الصلاة والسلام: "هو طعام"، والمعول عليه خلافه إلا في زوال النجاسة، فيجل عن استعماله فيها وإن استعمل طهر. اهـ، أقول: وفي الكلام بحث: أما أولًا: فإن خلاف ابن شعبان كما تقدم إنما هو إزالة النجاسة، لا في الوضوء والغسل إذا كان طاهر الأعضاء، وأما ثانيًا: فلأن مقتضى كونه طعامًا أنه يحرم لا يكره التي تنصرف عند الإطلاق للتنزيه] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (1/ 9، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(و) لا (ماء زمزم)؛ لعدم ثبوت نهي فيه، نعم تكره إزالة النجاسة به كما قاله الماوردي، وصرح به الروياني، وغيره بالنسبة للاستنجاء] اهـ.
وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 28، ط. عالم الكتب): [(و) كذا يكره (استعمال ماء زمزم في إزالة النجس فقط) تشريفًا له] اهـ.
وعلى ذلك فينبغي عدم استعمال ماء زمزم في إزالة النجاسة؛ وذلك حيث وجد غيره، فإن لم يوجد غيره وتعين ماء زمزم في إزالة النجاسة فلا بأس باستعماله حينئذٍ؛ إذ الكراهة محلها عدم الحاجة، فإن وجدت الحاجة إلى ذلك اندفع حكم الكراهة، كما هو مقرر عند الفقهاء، قال العلامةُ السَّفَّارِيني في "غذاء الألباب" (2/ 22، ط. مؤسسة قرطبة): [الكراهة تزول بأدنى حاجة] اهـ.
بناءً على ذلك: فإن استعمال ماء زمزم في غير الشرب في شيء ليس فيه امتهان للماء عند استعماله كالوضوء والاغتسال جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، أما استعماله في شيء يُنبئ عن امتهان الماء عند الاستعمال كنحو إزالة النجاسة به -مثلًا- فيكون حينئذٍ مكروهًا ينبغي تركه، وذلك ما لم يتعين استعماله فيها، فإن تعين لعدم وجود غيره فلا حرج في استعماله حينئذٍ للحاجة التي تدفع الكراهة بها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم صوم من كان يخطئ في غسل الجنابة؟ فكنت أغتسل من الجنابة من دون أن أنوي شيئًا، فسمعت بعد ذلك من أحد الشيوخ أن النية واجبة في غسل الجنابة، فما حكم صومي فيما مضى؟
ما حكم الحج بالنسبة لمريض الزهايمر: هل تسقط عنه هذه الفريضة؟ أم أنه مطالبٌ بها؟
ما حكم وضع الطيب للمرأة إذا أرادت الإحرام؟ حيث تقول السائلة: نويتُ أداء العمرة، وكنت قد تعطَّرت قبل الإحرام، ثم وجدت بعد الإحرام رائحة العطر باقية، فما الحكم في ذلك؟ وهل يختلف الحكم في حق الشابَّة عن المرأة الكبيرة؟
ما حكم قصر الحج على الموجودين في السعودية بسبب الوباء؟ ففي ظل انتشار وباء كورونا في هذه الآونة، قررت وزارة الحج بالسعودية إقامة حج هذا العام بأعداد محدودة جدًّا للراغبين في أداء مناسك الحج لمختلف الجنسيات من الموجودين داخل المملكة، وذلك حرصًا على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحيًّا، يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهددات هذه الجائحة، فهل يتماشى هذا القرار مع أحكام الشريعة الإسلامية؟ خاصة مع ظهور بعض الدعاوى بأن منع الحج أو تقييده بشكل جزئي لا يجوز، وأن هذه سابقة لم تحدث قبل ذلك.
ما حكم قطع الإحرام بالعمرة التطوعية لكسر الرجل؟ فإن صديقًا لي أحرم بالعمرة من بيته ولم يشترط التحلل إن حبسه حابس، وكانت هذه العمرة الثانية له، وفي أثناء ذهابه إلى المطار كُسِرت إحدى رجليه، وهو مضطر الآن للخروج عن إحرامه، ومدة التعافي بعد الجراحة تتجاوز مدة تأشيرة السفر، فهل يجوز له أن يتحلل؟ وهل عليه دمٌ؟ وهل يجب قضاء العمرة؟ أفيدونا أفادكم الله.
ما حكم حج الحامل و المرضِع؟ فهناك امرأتان: إحداهما حاملٌ، والأخرى مُرضِع، وتسألان: هل يجوز لهما أداء فريضة الحج؟