هل يتفاوت الأجر في الصيام على قدر المشقة؟ حيث يتفاوت شعور الناس بالمشقة في الصيام، وقد سمعت: "أن الثواب على قدر المشقة"؛ فما صحة ذلك؟ وهل كلما زادت المشقة ازداد الثواب؟
الأجر والثواب يتفاوت في عبادة الصيام بطول النهار، أو اشتداد الحر فيه، أو القيام بعمل فيه نَصَب يفوق غيره من الأعمال؛ كأصحاب المهن الشاقة.. ونحوه، وهذا ما قرَّره الأصوليون والفقهاء، إلا أن ذلك مرتبط بإخلاص النية لله عزَّ وجلَّ في العبادة.
المحتويات
الصيام عبادة من أجلِّ العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، وهو من أعظم أسباب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات، فرضًا كان الصيام أو نفلًا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» متفق عليه.
فإذا صاحبَ الصيامَ مشقةٌ لازمةٌ؛ بحيث لا يتأتى القيام به إلا مع تحمل هذه المشقة؛ كشدة حرٍّ، أو طول يومٍ، أو القيام بعملٍ، فإن الأجر والثواب يكون حينئذ أعظم وأفضل؛ لما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها في عمرتها: «إِنَّ لَكِ مِنَ الْأَجْرِ قَدْرَ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ» أخرجه الدار قطني في "السنن" والحاكم في "المستدرك" وصححه.
قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم" (8/ 152، ط. دار إحياء التراث العربي): [هذا ظاهر في أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النَّصَب والنفقة، والمراد: النَّصَب الذي لا يذمه الشرع، وكذا النفقة] اهـ.
وقال العلامة الكوراني في "الكوثر الجاري" (4/ 177، ط. دار إحياء التراث العربي): [وهذا الذي أشار إليه في الحديث قانون كلي في سائر العبادات: الأجر على قدر المشقة؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7]، اللهم إلا أن يكون لشرف المكان فيه مدخل كالصلاة في المسجد الحرام، أو للزمان كليلة القدر] اهـ.
وقال العلامة محمد الخليلي القادري في "فتاوي الخليلي على المذهب الشافعي" (1/ 113، ط. الحلبي): [وأما طول النهار واشتداد الحر فيه وحصول المشقة لبعض الناس دون بعض، كما يشاهد في أرباب الكسب، والمترفهين، فالظاهر زيادة الأجر الطويل باعتبار الطول واعتبار شدة الحر؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: الأجر على قدر النصب، أو الأجر على قدر المشقة، ومثل ذلك يجري في طول بعض البلاد على بعض فيظهر عظم أجر الطويلة على القصيرة؛ لما في الطويلة من زيادة المشقة؛ فتأمل] اهـ.
قرر الأصوليون والفقهاء أن "الأجر على قدر المشقة"، أي: كلما كثر العمل وشق كان أفضل مما ليس كذلك؛ كما في "المنثور في القواعد الفقهية" للزركشي (2/ 413، ط. أوقاف الكويت)، وينظر أيضًا: "مدارج السالكين" لابن الجوزي (1/ 106، ط. دار الكتاب العربي)، و"شرح الشيخ زروق المالكي على متن الرسالة" (1/ 541، ط. دار الكتب العلمية)، و"فتح القدير" للكمال ابن الهمام (2/ 428، ط. الفكر)، و"رد المحتار" لابن عابدين (2/ 478، ط. دار الفكر).
والمقصود بالمشقة هنا: المشقة التي لا تنفك عن العبادة، وهي التي رتب عليها الشرع الأجر العظيم والثواب الجزيل، عن غيرها من العبادات الأخرى التي لا يوجد فيها مشقة؛ إذ المشقة ليست مقصودةً شرعًا لذاتها، وإنما إذا جاءت تبعًا لمطلب شرعي أُجر الإنسان عليها، وإذا ما قصد الإنسان إدخال المشقة على نفسه فهذا أمر نهى عنه الشرع الحنيف، ووُصِف صاحبه بالمتنطع، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثًا. أخرجه مسلم في "صحيحه"، أي: المتعمقون المتشددون الغالون المجاوزون الحدود في أفعالهم وأقوالهم.
قال الإمام العز ابن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (1/ 37، ط. مكتبة الكليات الأزهرية): [عَلِمْنا من موارد الشرع ومصادره أن مطلوبَ الشرع إنما هو مصالحُ العباد في دينهم ودنياهم، وليست المشقةُ مصلحة، بل الأمر بما يستلزم المشقةَ بمثابة أمر الطبيبِ المريضَ باستعمال الدواءِ المرِّ البشع، فإنه ليس غرضُه إلا الشفاء، ولو قال قائل: كان غرض الطبيب أن يوجده مشقة ألمِ مرارةِ الدواء؛ لما حَسُن ذلك فيمن يقصد الإصلاح] اهـ.
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الأجر والثواب يتفاوت في عبادة الصيام بطول النهار، أو اشتداد الحر فيه، أو القيام بعمل فيه نَصَب يفوق غيره من الأعمال؛ كأصحاب المهن الشاقة... ونحوه، إلا أن ذلك مرتبط بإخلاص النية لله عزَّ وجلَّ في العبادة، وعدم قصد إيقاع عين المشقة ذاتها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم قطع التتابع في صيام كفارة القتل الخطأ بسبب صيام شهر رمضان والعيد؟ حيث إن هناك رجلًا وجبت عليه كفارة صيام شهرين متتابعين بسبب القتل الخطأ، فصام شهر شعبان، ومِن بعده رمضان وشوال، ولم يفطر سوى يوم عيد الفطر، فهل يُعدُّ صيام رمضان وفطر يوم العيد قاطعًا لتتابع صيام كفارته؛ بحيث يجب عليه إعادة صيام الشهرين المتتابعين من جديد؟ علمًا بأنه قضى يوم العيد الذي أفطره في الأول من ذي القعدة.
ما حكم من أفطرت من صيام يوم عرفة لعذر، وهل يُكتَب لها الأجر كاملًا، وما المراد بالسنتين في أجر صيامه؟ فإن ابنتي نوت الصيام وفاجأها الحيض بالنهار فأفطرت.
ما فضل صيام ثمانية أيام من عشر ذي الحجة الأول؟ وما حكم صيام يوم وقفة عرفات؟ وهل الصيام فيها يُعَدُّ من الواجبات؟ وهل يدخل فيها صيام يوم العاشر؟
ما حكم استعمال لاصقة نيكوتين أثناء الصيام؟ فرجلٌ يستخدم لصقات النيكوتين التي توضع على الجِلد تحت إشراف الطبيب المعالج كمرحلة من مراحل الإقلاع عن التدخين، فهل تعدُّ تلك اللصقات من المفطرات إذا استخدمها في نهار رمضان؟
ما حكم من مات وعليه صيام بسبب المرض ولم يتمكن من القضاء؟ فهناك شخصٍ أفطر في رمضان بسبب المرض، ثم شفاه الله تعالى، لكنه مات بعد ذلك مباشرة قبل أن يتمكن من قضاء الصوم الذي عليه؟
هل التخدير الطبي لإجراء العمليات في نهار رمضان يبطل الصيام؟ فقد قمت بإجراء عملية جراحية في نهار رمضان، وقد أخذت المخدر اللازم لإجراء هذه العملية حتى غبت عن الوعي تمامًا، وقد أفقتُ من هذا المخدر قبل أذان المغرب، ولم أتناول أكلًا ولا شُربًا، وكنت قد نويتُ الصيام من الليل، فما حكم صوم هذا اليوم؟ هل تؤثر هذه الفترة التي غبتُ فيها عن الوعي على صحة الصوم؟ أفيدوني أفادكم الله.