ما المقصود من عبارة (حاضري المسجد الحرام)؟ حيث أعيش في مكة المكرمة، وسافرتُ إلى زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بداية شهر ذي القعدة، ثم رجعتُ فأحرمتُ من آبار عليٍّ بالعمرة، علمًا بأني قد نويتُ أن أحج هذا العام، فهل ينطبق عليَّ وصف حاضري المسجد الحرام الوارد في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَن لَمْ يَكُن أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ﴾؟
أهل مكة هم "حاضرو المسجد الحرام" باتفاق، ومن ثَمَّ فلا حرج شرعًا في الإحرام بالعمرة في أشهر الحج من ميقات أهل المدينة ثم إرادة الحجَّ في نفس العام والإحرام به من مكة، ولا يجب هدي ولا دم في هذه الحالة، وذلك بخلاف مَن يبعد مسكنه عن مكة المكرمة مسافة القصر أو الآفاقي، فإنه إذا تمتع بالعمرة إلى الحج يجب عليه الهدي أو الصوم إن لم يجده.
المحتويات
الحكم في هذه المسألة متوقف على بيان المراد من قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 196].
وقد اختلف العلماء في المراد بـ"حاضري المسجد الحرام" إلَّا أنه من جملة أقوالهم يتضح وجود قدر مشترك وقع عليه الاتفاق في معنى "حاضري المسجد الحرام" وهم: أهل الحرم، وقد حكى الإمام الطبري الإجماع على هذا في تفسيره "جامع البيان" (3/ 110، ط. مؤسسة الرسالة)؛ فقال: [اختلف أهل التأويل فيمَن عُنِيَ بقوله: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ بعد إجماع جميعهم على أن أهل الحرم مَعنِيُّونَ به، وأنه لا متعة لهم] اهـ.
وما زاد على هذا القدر وقع الاختلاف فيه على أقوال:
فذهب الحسن وطاوس ونافع وعبد الرحمن الأعرج إلى أنهم أهل مكة فقط.
قال الإمام أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (1/ 350، ط. دار الكتب العلمية) في بيان "حاضري المسجد الحرام": [قال الحسن وطاوس ونافع وعبد الرحمن الأعرج: هم أهل مكة] اهـ.
وذهب عطاء ومكحول والحنفية إلى أن ﴿حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ هم: أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة.
أما قَوْلَا عطاء ومكحول فقد ذكرهما الإمام الطبري في "تفسيره" (3/ 111، ط. مؤسسة الرسالة).
فعن عطاء قال: "مَن كان أهله مِن دون المواقيت؛ فهو كأهل مكة لا يتمتع".
وعن مكحول في معنى قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، قال: "من كان دون المواقيت" ذكرهما الطبري في "تفسيره".
وأما قول الأحناف؛ فكما ورد في عبارات المتقدمين والمتأخرين منهم:
قال شمس الأئمة السرخسي في "المبسوط" (4/ 169، ط. دار المعرفة): [وليس للرجل من أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة أن يقرن أو أن يتمتع، وهم في ذلك بمنزلة أهل مكة، أما المكي: فلأنه ليس له أن يتمتع بالنص؛ لأن الله تعالى قال في ذلك: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 196]، واختلف العلماء رحمهم الله تعالى في ﴿حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.. وقلنا: أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة من حاضري المسجد الحرام بمنزلة أهل مكة؛ بدليل: أنه يجوز لهم دخول مكة بغير إحرام فلا يكون لهم أن يتمتعوا] اهـ.
وقال علاء الدين الحصكفي في "الدر المختار" (2/ 593، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية ابن عابدين") في بيان التمتع: [(والمكي ومن في حكمه يفرد فقط)] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين مُحَشِّيًا: [(قوله ومَن في حكمه) أي: من أهل داخل المواقيت] اهـ.
وذهب المالكية إلى أنهم: أهل مكة وذي طُوَى، وهو: موضع بين الطريق التي يهبط منها إلى مقبرة مكة المسماة بالمعلاة والطريق الأخرى التي جهة الزاهر، وتُسمَّى عند أهل مكة "بين الحُجُونَيْن"؛ كما في "شرح مختصر خليل" للعلَّامة الخرشي (2/ 311، ط. دار الفكر).
قال الإمام القرافي في "الذخيرة" (3/ 292، ط. دار الغرب الإسلامي): [وقد تقدم أن حاضري المسجد الحرام لا دم عليهم، واختُلف فيهم، فقال مالك: هم أهل مكة وطُوى طرف منها] اهـ.
وقال الإمام أبو عبد الله المواق في "التاج والإكليل" (4/ 78، ط. دار الكتب العلمية): [مِن حاضري المسجد الحرام، وهو عند مالك: أهل مكة وأهل ذي طُوى؛ لأنها من مكة] اهـ.
وذهب الشافعية في الأصح عندهم إلى أن "حاضري المسجد الحرام" هم: أهل الحرم ومن قاربهم دون مسافة القصر، وهو المذهب عند الحنابلة.
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (7/ 175، ط. دار الفكر): [مِن حاضري المسجد الحرام وهم: مَن مسكنه دون مسافة القصر مِن الحرم...، والصحيح: الأول، وبه قطع الجمهور] اهـ.
وقال علاء الدين المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 440، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقيل: أول مسافة القصر: من آخر الحرم، وهو المذهب. وذكره ابن هبيرة: قول أحمد، وجزم به في "الهداية"، و"المستوعب"، و"الرعايتين"، و"الحاويين"، وقدمه في "الفروع"] اهـ.
وذهب الشافعية في وجهٍ والحنابلة في رواية إلى أنهم: أهل مكة -وهم: أعمُّ من أهل الحرم- ومَن قاربهم دون مسافة القصر.
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (7/ 175): [مِن حاضري المسجد الحرام وهم.. وقيل: مَن بينه وبين نفس مكة دون مسافة القصر، حكاه المتولي والبغوي وآخرون من الخراسانيين] اهـ.
وقال موفق الدين ابن قدامة الحنبلي في "المقنع" (ص: 112، ط. مكتبة السوادي): [مِن حاضري المسجد الحرام وهم: أهل مكة، ومَن كان منها دون مسافة القصر] اهـ.
وقال علاء الدين المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 440): [فسر المصنف ﴿حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾: أنهم أهل مكة، ومَن كان منها دون مسافة القصر، فظاهره: أن ابتداء مسافة القصر من نفس مكة، وهو اختيار بعض الأصحاب، وهو ظاهر ما جزم به في "الشرح"، وصاحب "التلخيص"، وقاله الإمام أحمد، وهو ظاهر كلام ابن مُنَجَّى في "شرحه"] اهـ.
المختار للفتوى هو ما ذهب إليه الشافعية في الأصح عندهم، وما عليه المذهب عند الحنابلة من أن "حاضري المسجد الحرام" هم: أهل الحرم ومَن كان منه دون مسافة القصر؛ لأن الحاضر في اللغة هو القريب ولا يكون قريبًا إلا في مسافة لا تُقصر فيها الصلاة، كما في "المجموع" للإمام النووي الشافعي (7/ 174)، و"شرح منتهى الإرادات" للعلَّامة البهوتي الحنبلي (1/ 531، ط عالم الكتب)، وقد تقرر في قواعد الشرع الحنيف: "مَا قَارَبَ الشَّيْءَ أَخَذَ حُكْمَهُ"؛ كما في "البحر الرائق" لزين الدين ابن نجيم (5/ 115، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"الذخيرة" لشهاب الدين القرافي (5/ 366).
كما أن كلَّ موضع ذُكر فيه الحرم في كتاب الله تعالى أريد به الحرم كله لا المسجد نفسه، إلَّا في قوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 144] أراد به الكعبة المشرفة.
ومنه: يلحق مَن كان على مسافة دون القصر من الحرم به، فيكون من حاضريه؛ قال الله تعالى: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: 163]؛ كما قال الإمام الماوردي في "الحاوي" (4/ 62-63، ط. دار الكتب العلمية).
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن أهل مكة هم "حاضرو المسجد الحرام" باتفاق، ومن ثَمَّ فلا حرج عليك شرعًا في إحرامك بالعمرة في أشهر الحج من ميقات أهل المدينة ثم إرادتك الحجَّ في عامك هذا وإحرامك به من مكة، ولا يجب عليك هدي ولا دم في هذه الحالة، وذلك بخلاف غيرك ممَن يبعد مسكنه عن مكة المكرمة مسافة القصر أو الآفاقي، فإنه إذا تمتع بالعمرة إلى الحج يجب عليه الهدي أو الصوم إن لم يجده؛ كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل ما يُقَال من أنّ المتابعة بين العمرة والحج تنفي الفقر والذنوب صحيح؟
ما الفرق بين التحلل الأصغر والتحلل الأكبر في أعمال الحج؟ فهناك شخصٌ عزم على الحج هذا العام، ويعرف أن للحج تحللًا أصغر وتحللًا أكبر، ويسأل: ما الفرق بينهما؟
هل يلزم الزوج دفع تكاليف أداء زوجته لفريضة الحج؟ وهل للزوج أن يأخذ من مال زوجته ليؤدي فريضة الحج؟
سئل بإفادة واردة من وزارة الداخلية؛ صورتها: نحيط علم فضيلتكم أنه لما قامت الحرب الأوروبية في العام الماضي صار السفر إلى الحجاز صعبًا وطريقه غير مأمون للأسباب الآتية:
أولًا: عدم توفر الأسباب لسفر البواخر المخصصة لنقل الحجاج المصريين في ذهابهم وإيابهم، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في تأخيرهم بالحجاز زمنًا ليس بالقليل، وفي ذلك مخاطرة على أنفسهم وعائلاتهم.
ثانيًا: صعوبة المواصلات الخاصة بنقل المواد الغذائية للأقطار الحجازية التي انبنى عليها عدم إرسال مرتبات الغلال التي كانت ترسلها الحكومة المصرية للحجاز سنويًّا، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في وجود خطر على الحُجاج أثناء وجودهم في الأراضي المقدسة.
ثالثًا: عدم تمكُّن الحكومة بسبب العسر المالي من اتخاذ التدابير اللازمة لوقاية الحجاج المصريين من الأخطار التي تهدد حياتهم سواء كان من اعتداء أعراب الحجاز عليهم، أو من تأخيرهم مدة طويلة بتلك الجهات.
رابعًا: عدم تمكن الحكومة بسبب العسر المالي أيضًا من اتخاذ الاحتياطات الصحية التي كانت تتخذها في كل سنة لوقاية القطر من الأوبئة والأمراض المعدية التي ربما تفد مع الحجاج.
لذلك قد أخذت الوزارة في ذلك الوقت رأي فضيلة المفتي السابق عما يراه موافقًا للشرع الشريف من جهة الترخيص للحجاج المصريين بالسفر إلى الحجاز، فرأى فضيلته أنه يجوز للحكومة والحالة هذه إعطاء النصائح الكافية للحجاج المصريين بتأجيل حجهم للعام المقبل مثلًا حتى تزول الأخطار ويتوفر أمن الطريق الذي لا بد منه في وجوب الحج. وحيث إن الأسباب التي انبنى عليها هذا الرأي ما زالت موجودة بل زادت خطورة بدخول تركيا في الحرب، وقد آن موسم الحج الذي فيه تصدر وزارة الداخلية منشورها السنوي الخاص بسفر الحجاج المصريين؛ لذلك رأينا لزوم الاستمداد برأي فضيلتكم فيما يوافق الشرع الشريف في هذا الشأن.
ما حكم من لبس المخيط ناسيًا أثناء الإحرام؟ فالسائل لبس العباءة في الحج ناسيًا قبل الحلق وبعد أن قام برمي جمرة العقبة الكبرى، ثم حلق بعد ذلك شعره وطاف للإفاضة وسعى وتحلَّلَ التحلُّلَ الأكبر. فماذا يجب عليه إزاءَ هذا الفعل؟
ما الحكم فيما لو أحرمتُ من المدينة متمتعًا، ثم جاءني المرض فخلعتُ ملابس الإحرام قبل أداء العمرة؟