مدى دخول الضامن للمقترض في اللعن الوارد في حديث الربا

تاريخ الفتوى: 19 يونيو 2025 م
رقم الفتوى: 8679
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الربا
مدى دخول الضامن للمقترض في اللعن الوارد في حديث الربا

هل اللعن الوارد في حديث الربا يشمل الضامن للمقترض؟ فقد طَلَب زميلي مِن صديقٍ له مبلغًا مِن المال لمدة سنة، فاشترط عليه رَدَّه بزيادة، وأرادني أن أضمن له مبلغ القرض، فهل عليَّ إثم في ذلك وأكون داخلًا في اللعن في حديث الربا؟ أو لا حرج في كوني ضامنًا؟

ضمانك لزميلك ليحصل على قرض، مع علمك باشتراط الزيادة أمر محرمٌ شرعًا؛ فهو من التعاون على الإثم المنهي عنه شرعًا، ويجعلك متعرضًا للدخول في الوعيد المذكور في الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في لعن آكل الربا ومن يعاونه؛ وهذا ما لم يكن المقترض مضطرًّا إلى القرض، فإن كان مضطرًّا إليه فلا حرج عليه ولا إثم عليك حينئذ.

المحتويات

 

بيان حرمة الربا في الشريعة الإسلامية

الربا كبيرة من الكبائر، ثبتت حرمته بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبإجماع الأمة؛ قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، وما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ».

وأجمعت الأمة على تحريم الربا، قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (4/ 3، ط. مكتبة القاهرة): [وأجمعت الأمة على أنَّ الربا محرم] اهـ.

وحَثَّت الشريعة على التعاون على البر والتقوى ونهت عن التعاون على الإثم والعدوان؛ قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].

قال الإمام الطبري في تفسيره "جامع البيان" (9/ 490، ط. مؤسسة الرسالة): [وقوله: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، يعني: ولا يُعِن بعضكم بعضًا ﴿عَلَى الْإِثْمِ﴾، يعني: على ترك ما أمركم الله بفعله، ﴿وَالْعُدْوَانِ﴾، يقول: ولا على أن تتجاوزوا ما حدَّ الله لكم في دينكم، وفرض لكم في أنفسكم وفي غيركم] اهـ.

بيان المراد بضمان المال في الشريعة والقانون

الضمان إن كان متعلقًا بالمال يطلق عليه عند الفقهاء مصطلح "الكفالة"؛ ويراد بها: ضمُّ ذمَّة الكفيل إلى ذمَّة الأصيل، على وجه التوثيق في حق المطالبة بما على الأصيل مِن دَين. ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكَاسَانِي الحنفي (6/ 10، ط. دار الكتب العلمية)، و"مواهب الجليل" للعلامة الحَطَّاب المالكي (5/ 96، ط. دار الفكر)، و"فَتْحِ القَرِيبِ المُجِيب" للعلامة الغَزِّي الشافعي (ص: 179، ط. دار ابن حزم)، و"كشاف القناع" للعلامة البُهُوتِي الحنبلي (3/ 423، ط. دار الكتب العلمية).

وعرفت المادة (772) من القانون المدني المصري الكفالة بأنها: [عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه] اهـ.

حكم اشتراط الزيادة في القرض

الفقهاء متفقون على أنَّ القرض المشروط فيه زيادة يكون مُحرَّمًا وهذه الزيادة تكون ربا فلا يجوز اشتراطها ولا أخذها.

قال العلامة ابن مُفلِح في "المبدع" (4/ 199، ط. دار الكتب العلمية-بيروت): [كل قرض شُرِط فيه زيادة فهو حرام إجماعًا؛ لأنه عقد إرفاق وقُربة، فإذا شُرِط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه] اهـ.

فإذا أخذ شخص من آخر نقودًا على سبيل القرض مع اشتراط ردها إليه بزيادة فإنَّ هذه الزيادة ربا محرم وكل مَن يعاون في إتمام هذا القرض مع علمه بذلك يكون آثمًا؛ لأنه من باب التعاون على الإثم وهو منهي عنه.

حكم ضمان القرض المشروط بالزيادة، ومدى ترتب الإثم على ذلك

التعاون إنما يكون في البر والتقوى أما التعاون في الربا فمنهيٌّ عنه لكونه من التعاون على الإثم؛ حيث روى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء»؛ وفي هذا الحديث ليس اللعن مقصورًا على ما ذُكِر، بل في هذا تحريم لكل إعانة على الباطل، ومن باب أولى يدخل فيه من توقف إتمام العقد على معاونته للمقترض بضمانه رد القرض الربوي.

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (11/ 26، ط. دار إحياء التراث): [قوله: («لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء») هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المُترابِيَيْن والشهادة عليهما وفيه تحريم الإعانة على الباطل] اهـ.

وإذا كان اشتراط هذه الزيادة في القرض بدون مقابل يجعل هذه الزيادة باطلة وربا، فلا تجوز كفالتها؛ لأن فيها تعاونًا على المعصية، والتعاون على المعصية حرام شرعًا، وما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، ولا يُلزَم بها الأصيل ولا الكفيل لأنَّ التزامه تابع لالتزام الأصيل، وفساد التزام الأصيل يفسد التزام الكفيل.

قال العلامة سراج الدين ابن نُجَيْم في "النهر الفائق شرح كنز الدقائق" (3/ 526، ط. دار الكتب العلمية): [والذي في "الخلاصة" عن كفالة الأصل والقرض بالشرط حرام] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (3/ 340، ط. دار الفكر): [إن كان المتحمل به فاسدًا كما لو كان ربا كما لو قال شخص لآخر ادفع لهذا دينارًا في دينارين لشهر أو ادفع له دراهم في دنانير إلى شهر وأنا حميل بذلك فالحمالة باطلة ولا يلزم الضامن شيء مطلقًا] اهـ.

ومن ثَمَّ يتوقَّف الإثم في ضمان القرض الربوي على التحريم في القرض الربوي نفسه، وليس للضمان فهو في ذاته مباحٌ؛ ولذلك فإذا انتفت الحرمة في القرض انتفى الإثم في ضمانه؛ فإذا كان المقترض مضطرًّا للقرض انتفت حرمته ولا إثم على الضامن حينئذٍ؛ لأنَّ التزامه تابع لالتزام الأصيل؛ لقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام: 119]، وللقاعدة الشرعية: [الضرورات تبيح المحظورات]. ينظر: "الأشباه والنظائر" لابن نجيم (ص: 73، ط. دار الكتب العلمية).

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فضمانك لزميلك ليحصل على قرض، مع علمك باشتراط الزيادة أمر محرمٌ فهو من التعاون على الإثم المنهي عنه شرعًا، ويجعلك متعرضًا للدخول في الوعيد المذكور في الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في لعن آكل الربا ومن يعاونه؛ وهذا ما لم يكن المقترض مضطرًّا إلى القرض، فإن كان مضطرًّا إليه فلا حرج عليه ولا إثم عليك حينئذ.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما المقصود بربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه؟ وهل كان ربا العباس يختلف عن ربا الجاهلية؟


هل العمل في البنوك حرام؟ وما حكم الشرع في إيداع الأموال في البنوك وأخذ القروض البنكية؟ وهل التمويل من البنوك حلال أو حرام في هذا الوقت بالذات من أجل الحصول على شقة ضمن مشاريع الإسكان الحكومية؟


هل اللعن الوارد في حديث الربا يشمل الضامن للمقترض؟ فقد طَلَب زميلي مِن صديقٍ له مبلغًا مِن المال لمدة سنة، فاشترط عليه رَدَّه بزيادة، وأرادني أن أضمن له مبلغ القرض، فهل عليَّ إثم في ذلك وأكون داخلًا في اللعن في حديث الربا؟ أو لا حرج في كوني ضامنًا؟


ما حكم إعطاء أحد المشتركين في الجمعية مبلغا من المال للتنازل عن دوره؟ فقد اشترك رجلٌ في جمعية شهريَّة، وموعد تسلُّمه لدَوْرِه فيها سوف يكون بعد ستة أشهر، فطلب من الذي سيتسلَّم الجمعية بعد شهرين أن يعطيه دَوْرَه فيها، فوافق صاحب الدَّوْر المتقدِّم على ذلك، غير أنَّه اشترط عليه أن يأخذ منه مقابل ذلك مبلغًا من المال، فهل يجوز ذلك شرعًا؟


ما حكم البيع والشراء من نفس الطرفين في مجلس واحد؟ حيث وجد تاجر يرغب في زيادة استثمار أمواله، وتوسعة نشاط تجارته في الأسواق، بأن يشتري الذهب مِن مالِكِيه بثمن حالٍّ، وقبل أن ينقدهم ثمنَه يتفق معهم على أن يبيعَه لهم بثمن مؤجل مع زيادة في الثمن، بحيث إنه إن اتَّفَقَ مع العميل على الثمن في البَيعَتَين، فإنه يَخصِمُ أولَ قِسط مِن ثمن البَيعَة الثانية (وهي شراء العميل منه بالتقسيط) ويعطيه باقي ثمن البَيعَة الأُولى (وهي شراؤه من العميل)، فإن لم يرض مالِكُ الذهب بشرائه منه مرةً أخرى بالأجل لم يشتره منه التاجرُ ابتداءً، فهل تصح هذه المعاملة شرعًا؟


ما حكم التعامل بخطاب الضمان البنكي بنوعيه: المغطى، والمكشوف؟ فأنا شخص أعمل في مجال المقاولات وبعض الأعمال التجارية، ويُطلب مني في بعض المعاملات إحضار خطاب ضمان من أحد البنوك كشرط لإتمام هذه المعاملات.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 13 يوليو 2025 م
الفجر
4 :19
الشروق
6 :3
الظهر
1 : 1
العصر
4:37
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :30