الإثنين 10 نوفمبر 2025م – 19 جُمادى الأولى 1447 هـ

حكم بر الأم ذات الخلق السيئ

تاريخ الفتوى: 20 أبريل 2014 م
رقم الفتوى: 2658
من فتاوى: أمانة الفتوى
التصنيف: بر الوالدين
حكم بر الأم ذات الخلق السيئ

ما حكم الشرع في بِرِّ البنت بأمها التي لم تطالب بحضانتها عند الطلاق، ثم طالبت بالرؤية بعد ثلاث سنين، وفي أثناء الرؤية كان هناك تحريض مستمر على الأب، وبعد بلوغ البنت بدأت أمها في الوقيعة بينها وبين أبيها، وحاولت الجدة العمل على تحريض البنت على أبيها، كما أن الأب يخاف على ابنته من الاختلاط بأهل الأم؛ لسوء أخلاقهم وانعدام الوازع الديني والأخلاقي لديهم؛ فهم يحرضونها على خلع الحجاب ويشجعونها على كل ما هو غير أخلاقي، والبنت تنفر من أمها وأهلها؛ لِمَا لمسته بنفسها من تدنيهم الأخلاقي، ولكنها تخاف أن يكون تجنب الأم عقوقًا للوالدين. فما حكم الشرع في بر أمٍّ لا ترعى حدود الله؟

البِرُّ بالوالدين وصِلَتُهُما والإحسان إليهما فرضٌ على ولدهما؛ سواء أكان ذكرًا أم أنثى، وذلك في حدود رضا اللهِ تعالى ورسولِه صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالبِرُّ لا يعني الطاعة العمياء، وعلى الولد أن يجتنب مواطنَ الشُّبهة، وألَّا يطيعَ والديه في المعصية.

وإذا كانت أحوال أهل الأم على الوجه المذكور، الذي يجعل البنت تخاف على نفسها من أن تتأثر أخلاقها به؛ فيمكنها أن تكتفي بالبر والإحسان والزيارة الخاطفة، من غير أن تطيل المكث أو المبيت.

المحتويات

حث الشرع الشريف على صلة الرحم

حرص الشرع على صلة الأرحام على وجه العموم؛ فقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، وقال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: 22].
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ»، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» متفقٌ عليه.

حث الشرع على بر الوالدين

علاقةَ الولد بوالديه مسألةٌ تتعلق بالإنسانية المَحْضَة، فضلًا عن أن تكون مسألةً تحث عليها الشرائع؛ فليس هناك نظامٌ اجتماعيٌّ على مَرِّ التاريخ لم يتمسك بهذه القيمة؛ لذا قال تعالى محذِّرًا مِن المَسَاس بهذه العلاقة مهما يكُن مِن شيءٍ: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة: 233].

وقد أوجب اللهُ تعالى ورسولُهُ صلى الله عليه وآله وسلم بِرَّ الوالدين والإحسان إليهما في مواضع كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23-24]، بل وقَرَنَ ذلك بعبادته، وقرن عقوقهما بالشرك به سبحانه؛ قال تعالى:﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: 36]، وقَرَن الشكرَ لهما بشكره سبحانه وتعالى بقوله: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: 14]، وأكد على ذلك كلِّه حتى في حال أمرهما لولدهما بالشرك؛ قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، ولَمَّا امتدح اللهُ تعالى سيدَنا يحيى عليه السلام قال: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ [مريم: 14]، وإنما لَم يأمر الوالدين بمِثل ذلك للاستغناء بالطبع عن الشرع؛ فعلاقة الوالدين بولدهما هي علاقة طَبَعِيَّة جُبِلَت عليها الفطرة السوية.

بر الوالدين عند إهمالهما حق الأبناء

البر بالوالدين فرضُ عينٍ؛ فهو عبادةٌ لا تقبل النيابة؛ قال العلَّامة برهانُ الدين ابنُ مازه البخاري الحنفي في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (5/ 386، ط. دار الكتب العلمية): [وطاعةُ الوالدين وبِرُّهُما فرضٌ خاصٌّ لا يَنُوبُ البعضُ فيه عن البعض] اهـ. بخلاف رعايتهما؛ فإنها فرضُ كفايةٍ.

وفي المقابل أوجب الإسلام على الآباء حقوقًا للأبناء تتمثل في تعليمهم وتأديبهم وتوجيههم إلى عملِ كلِّ خيرٍ والبُعدِ عن كلِّ شرٍّ؛ أخْذًا مِن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]، لكن هذه المقابلة لا تعني سقوطَ أحدِ الواجبين حال انعدام الآخَر، بل إن هذا الحُكم ثابتٌ حتى في حال أَمْرِهما ولدَهما بالكفر؛ كما سبق في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا واتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان: 15] في توجيهٍ صريحٍ إلى أنَّ الأمر بالبِرِّ مجردٌ عن دِين الوالدين وسلوكهما، وتنبيهٍ إلى عدم التدخل فيما بين العبد ورَبِّهِ.

الخلاصة

بِناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالبِرُّ بالوالدين وصِلَتُهُما والإحسان إليهما فرضٌ على ولدهما؛ سواء أكان ذكرًا أم أنثى، وذلك في حدود رضا اللهِ تعالى ورسولِه صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالبِرُّ لا يعني الطاعة العمياء، وعلى الولد أن يجتنب مواطنَ الشُّبهة، وألَّا يطيعَ أيًّا منهما في أمره له بالمعصية؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ» متفقٌ عليه، وإذا كانت أحوال أهل الأم على الوجه المذكور، الذي يجعل البنت تخاف على نفسها من أن تتأثر أخلاقها به؛ فيمكنها أن تكتفي بالبر والإحسان والزيارة الخاطفة من غير أن تطيل المكث أو المبيت.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

قال السائل: برجاء إفادتنا حول اختيار جنس الجنين عند نقل الأجنة أثناء عمل الحَقن المِجهري، فأحيانًا يطلب المريض نقل الأجنة الذكور فقط مثلًا، فهل هذا جائز شرعًا بناءً على رغبة المريض فقط، أو يكون في حالة الضرورة فقط؛ كأن يكون هناك مرض وراثي ينتقل إلى الإناث دون الذكور مثلًا فيتم نقل الأجنة الذكور فقط وهكذا؟


هل يجوز تسمية البنت باسم تبارك؟


هل حق الأم في البر يزيد عن حق الأب؟


رجل متزوج ببنت خاله، ويرغب في الزواج ببنت خالته. ويسأل عن حكم الجمع بين المرأة وبين بنت عمتها؟


ما حكم العقيقة عن المولود الذي مات قبل السابع؛ حيث يوجد رجلٌ رزقه الله تعالى بمولود، ثم قدَّر الله أن مات هذا المولود بعد ولادته بيومين؛ فهل على أبيه أن يعق عنه؟


هل يجوز إخراج الزكاة من الـمُزَكِّي لمَنْ يجب عليه نفقتهم؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 نوفمبر 2025 م
الفجر
4 :47
الشروق
6 :16
الظهر
11 : 39
العصر
2:40
المغرب
5 : 1
العشاء
6 :21