حقوق التأليف والنشر

حقوق التأليف والنشر

ما هي حقوق التأليف والنشر؛ فنحن نتعامل في بيع وتوزيع ونشر الكتب الإسلامية والعلمية، وهدفنا الأول في العمل في هذا الميدان هو نشر العلوم الإسلامية، وما نتقاضاه من أثمان لهذا العمل نَتَقوَّى به على إتمام الهدف الأول بتطويره وتوسيع الاستفادة منه لعموم طلاب العلم وتعرض لنا مشكلة يختلف الحكم بها من دولة إلى دولة ومن مُفْتٍ إلى مُفْتٍ وهي حقوق التأليف، وصورة تقاضي حقوق التأليف كالآتي:
الصورة الأولى: أن يؤلف شخص كتابًا ويقدمه للناشر بخط المؤلف، ويطلب من الناشر مبلغًا من المال؛ إما أن يدفع مقطوعًا لطبعة واحدة، أو لعدة طبعات معينة، أو لمدة محددة، أو غير محددة، أو بنسبة مئوية من سعر بيع الكتاب لطبعة أو لطبعات.
الصورة الثانية: أن يقوم شخص بتحقيق نص كتاب أو تعليق أو شرح عليه وهذا الكتاب لغيره ويقدمه للناشر بخط يده، ويطلب من الناشر مبلغًا ماليًّا حسب الطريقة السابقة في الصورة الأولى.
الصورة الثالثة: أن يقدم المؤلف كتابًا مطبوعًا ويحمل اسمه تأليفًا كالصورة الأولى، أو تحقيقًا أو تعليقًا أو شرحًا كالصورة الثانية، ويطلب التعاقد مع الناشر بمبلغ مالي حسب الطريقة الواردة في الصورة الأولى.
وسؤالنا هو:
1- هل أخذ هذا المبلغ من الناشر حلال للمؤلف أم حرام عليه؟ وإذا كان حرامًا فهل يأثم الناشر بتسليمه له؟
2- لو طبع ناشر كتابًا ولم يعط مؤلفه مالًا هل عليه إثم أم لا؟
3- إذا كان للمؤلف حق وعلم الموزع أن الناشر لم يعط المؤلف حقه هل على الموزع إثم في بيع هذا الكتاب، ومن ثم التعامل مع هذا الناشر؟
4- إذا كان للمؤلف حق فمتى ينتهي حقه في هذا الكتاب؟ هل ينتهي حقه لوقت معين كما في القوانين الوضعية؟ وإذا كان ينتهي بفترة معينة فهل يعتبر حقه حق ملكية أم أجرة؟ أم يبقى له ولورثته سلالة بعد سلالة؟ وماذا تكون الحال بمن لم يعرف وارثه سواء من المعاصرين أم القدماء؟
5- يترتب على إخراج الطبعة الأولى من كل كتاب أمور فنية مدفوع عليها أموال من قِبَل الناشر، وتستمر هذه الأمور تفيد كل من طبع الكتاب بعد الطبعة الأولى، منها ما ينتهي بإعادة صف حرف الكتاب، ومنها ما لا ينتهي، ومن هذه الأمور شهرته وتعالم الناس به وهو ما يسمى الآن -دعاية وإعلام- وإخراجه وتصحيح أخطائه بحيث يكون سليمًا من الخطأ وصف حرفه وتشكيله وفهرسته وتقسيم سطوره وتقسيم صفحاته وترتيبه، وهذه أمور يقوم بها الناشر، فهل للمؤلف أن يسلبه حقه بعد انتهاء فترة التعاقد معه كما في الصورة الثالثة، أم تبقى حقا له؟ وهل هذه الأحقية تثبت شركته في الكتاب؟
6- صاحب الكتاب المحقق أو المعلق عليه أو المشروح واقع الحال الآن أنه لا يُعطَى شيئًا من المال كما في الصورة الثانية، فما حكمه؟ هل يسقط حقه بمجرد تعليق أو تحقيق يلحق بكتابه؟ أم أنه لا حق له في الأصل؟
وأن غرضنا الأول من هذا الاستفسار: هو استبيان الوجه الشرعي من الحل والحرمة؛ قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون﴾.
وغرضنا الثاني: هو قطع الطريق على تيار القوانين الوضعية في أمور الحقوق بين المسلمين وكشف الغطاء عن الوجه الشرعي لهذه القضية التي كثر الحديث عنها والتعامل بها. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

في الصورتين الأولى والثانية: يجوز التعامل مع الناشر بالشروط المذكورة ما عدا الشرط الذي فيه المدة غير المحددة؛ لأنها تفضي إلى جهالة وتؤدي إلى نزاع فلا تجوز.
وفي الصورة الثالثة التي يقدم المؤلف الكتاب مطبوعًا ويحمل اسمه -تأليفًا أو تحقيقًا أو تعليقًا أو شرحًا-، ويطلب التعاقد مع الناشر بمبلغ مالي حسب الطريقة الواردة في الصورة الأولى: هذه الصورة جائزة أيضًا ما عدا المدة غير المحددة.
وعلى ذلك: فأخذ المبالغ من الناشر أو المؤلف حلال ولا إثم فيه، ولا يجوز للناشر طبع كتاب دون إعطاء المؤلف مالًا إلا إذا كان هناك تراضٍ وإذن من المؤلف، وإذا علم الموزع أن للمؤلف حقًا ولم يتم أخذه كان شريكًا للناشر في الإثم، حق المؤلف دائم لا ينتهي ما دام كتابه متناول، ولورثته الحق من بعده إلا إذا كان حدد القانون وقتًا معينًا ينتهي به حق المؤلف.
والخطوات التي يقوم بها الناشر إزاء المؤلف حتى يصل إلى الغاية المرجوة والفائدة المرتقبة -من دعاية ونحوها- يستطيع الناشر أن يقوِّمها ماديًا حسب ما يبذل من جهد وطاقة وعمالة، ويلاحظ ذلك عند الاتفاق مع المؤلف أثناء الطبعة الأولى للكتاب بحيث يتم الاتفاق والتراضي بين الطرفين، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة تكرار الطبعات كما في الصورة الثالثة وما قبلها من الصورتين الأخريين ما عدا الحالة التي فيها المدة غير محددة.
وينبغي على من يريد تحقيق كتاب أو التعليق عليه أو شرحه أن يستأذن المؤلف ويتفق معه على وضع معين إن كان على قيد الحياة، أو ورثته إن كان قد توفي، إلا إذا تنازل المؤلف أو الورثة عن هذا الحق، وإلا فالحالة كمن مات ولا وارث له؛ ذلك لأن المؤلف للكتاب هو صاحب الفكرة وهو الذي مهَّد السبيل لغيره، فلا يجوز شرعًا أن يغفل حقه ويهمل شأنه.

التفاصيل ....

المحتويات

 

جمع القرآن الكريم والسنة النبوية وتدوينهما

نفيد بأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، وقال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، على ضوء هاتين الآيتين نتعرض للمسألة التي بين أيدينا والتي تتعلق بالتأليف والنشر، وإننا إذا قرأنا التاريخ وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نجد أنه في عهده صلوات الله وسلامه عليه لم يدون شيئًا إلا القرآن الكريم؛ فقد منع أصحابه من كتابة شيء غير القرآن الكريم؛ روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي، وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار»، وهذه الكتابة كانت منثورة ومتفرقة في اللخاف والعُسُب والأكتاف والرقاع، ولم يكن مجموعًا بين دفتين كالمصاحف التي بين أيدينا اليوم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوي الحفظ، وكذا الصحابة رضوان الله عليهم فكان اعتمادهم الأول على الحفظ في الصدور، أما هذه الكتابة فكانت لزيادة التوثيق للقرآن الكريم.

وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه أشار عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجمع القرآن لما رأى نقص الحفظة بموتهم في معركة اليمامة، فتوقف أبو بكر رضي الله عنه في مبدأ الأمر حيث إن هذا الأمر لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد مناقشة شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه لهذا العمل، وكلف به زيد بن ثابت رضي الله عنه؛ حيث إنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتتبع القرآن بجمعه من العُسُب واللخاف وصدور الرجال، فكانت هذه الصحف عند أبي بكر رضي الله عنه حتى توفاه الله، ثم عند عمر رضي الله عنه حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، وهذه الصحائف ضمت إلى بعضها ثم ربطت بخيط خشية أن يفلت منها شيء، ثم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه نقل ما في الصحائف إلى مصحف واحد سمي بالمصحف الإمام، ونسخت منه المصاحف التي بعث بها عثمان إلى الكوفة والبصرة والشام وترك واحدًا عنده، ثم أمر عثمان رضي الله عنه بإحراق الصحف التي كانت لبعض الصحابة، فقد كانوا يكتبون بين آياتها تفسيرات لهم.

من هذا يتبين لنا أنه لم يدون في عهد الخلفاء الراشدين إلا القرآن الكريم، ولم تدون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على أن من الصحابة من كتب الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإن لم يكن التدوين عامًا؛ مثل عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما على أنها كانت صحائف خاصة، وهذا لا يتعارض مع حديث «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي إِلَّا الْقُرْآنَ» رواه ابن حبان، فقد أُوِّل بأن ذلك كان في بدء الدعوة حتى لا يختلط القرآن بالسنة، أو كان النهي بالنسبة لكُتَّاب الوحي خاصة حتى يتفرغوا لمهمة القرآن، أو كان النهي كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، على أنه قبل أن ينقضي عصر الصحابة أمر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز بتدوين الحديث، فكان التدوين الرسمي بأمر الخليفة على رأس المائة حينما رأى اتساع الفتوحات، فأمر بجمع السنة وتدوينها وكتابة نسخ منها؛ لتكون مرجعًا في مشارق الدولة الإسلامية ومغاربها، ويكون ذلك المرجع من الأسباب الميسرة لطلب السنة والوقوف عليها، وكان حرصه على ذلك لما رأى من انتشار الصحابة في الأقطار وموت أكثرهم؛ روى الإمام البخاري في" كتاب العلم": [كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله فاكتبه؛ فإني خِفْتُ دُرُوسَ العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولْتُفْشُوا العلم ولْتَجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًّا] اهـ.
وقد شجع عمر بن عبد العزيز العلماء على التفرغ للعلم؛ فكتب إلى عماله "أن أَجْرُوا على طلبة العلم الرزق وفرغوهم للطلب"، أي اجعلوهم متفرغين لطلب العلم لا يشغلهم عنه شاغل أو مطلب من مطالب الحياة وأسباب القوت والطعام، ولا يستطيع الإنسان أن يجيد البحث والدروس إلا إذا كان فارغ البال هادئ النفس متفرغًا لما هو بسبيله من بحث وتحصيل.
وكتب إلى والي حمص يقول له: "انظر إلى القوم الذين نصبوا أنفسهم للفقه وحبسوها في المسجد عن طلب الدنيا فأعط كل رجل منهم مائة دينار يستعينون بها على ما هم عليه من بيت مال المسلمين حين يأتيك كتابي هذا، وإن خير الخبر أعجله والسلام عليك".
ولقد بعث يزيد بن مالك والحارث بن محمد إلى البادية ليعلما الناس السنة وأجرى عليهما الرزق فقبل يزيد الأجر ولم يقبل الحارث قائلًا: "ما كنت لآخذ على علم علمنيه الله أجرًا"، فذُكِرَ ذلك لعمر فقال: "ما نعلم بما صنع يزيد بأسًا، وأكثر الله فينا مثل الحارث".
وكتب إلى واليه في رسالة أخرى: "ولأهل الصلاح من بيت المال بما يغنيهم؛ لئلا يشغلهم شيء عن تلاوة القرآن وما حملوا من الأحاديث".

مذاهب العلماء في حكم أخذ المعلم أجرًا على تعليم القرآن

يمضي بنا البحث هل يجوز للمعلم أن يأخذ أجرًا؟ اختلف العلماء في هذه المسألة، فمنع فريق أخذ الأجرة، وفريق أباحها، ومن المانعين الزهري وأبو حنيفة، وقال أبو حنيفة: "يكره تعليم القرآن بأجرة"، واستند في ذلك إلى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [البقرة: 41]، وقالوا: إن تعليم القرآن واجب يحتاج فيه إلى نية التقرب والإخلاص كالصلاة والصيام.

ومن الفريق الذي أجاز الأجر على تعليم القرآن مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق، واستندوا إلى حديث البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أحَقَّ مَا أخَذْتُمْ عَلَيْهِ أجْرًا كِتَابُ اللهِ»، ومن هنا نرى أن أخذ الأجر على تعليم القرآن جائز، لا سيما إذا كان معلمو القرآن ليس لهم ما يتكسبون به سواه، وقد أجاز المتأخرون من فقهاء الحنفية أخذ الأجرة على الطاعات؛ لانشغال الناس بمعايشهم، ولئلا يؤدي عدم توافر من يقوم بها إلى إهمالها.

حكم أخذ المؤلف أو المحقق أو الشارح مبلغ من المال من الناشر لكتابه

على هدى ما ذكرنا من النصوص نتعرض إلى موضوع السؤال وهو حقوق التأليف، وصور تقاضي تلك الحقوق:

ففي الصورة الأولى: نرى أن المؤلف قدم نتاج فكره ببذله مجهودًا عقليًا وجسميًا ووفر نفسه ووقته على هذا العمل ليخرج للقراء كتابًا نافعًا في العلم والمعرفة والثقافة، فيحصل عليه القارئ في يسر وسهولة بدراهم معدودة، فينير عقله ويهذب نفسه ويسلك طريقه في الحياة على نسق من الأخلاق والفضيلة، فالمؤلف في تلك الحالة كالمعلم الذي أبيح له أخذ الأجور بل خير أجر إذا ما كان هذا المؤلف دالًا على الخير، هاديًا إلى سبل الرشاد، نافعًا دينًا ودنيا كما ورد بالسؤال من أن الكتب المشار إليها إسلامية وعلمية.
وعلى ذلك: فيجوز التعامل مع الناشر بالشروط المشروطة المذكورة ما عدا الشرط الذي فيه المدة غير محددة؛ لأنها تفضي إلى جهالة وتؤدي إلى نزاع فلا تجوز، وتكون الصورة الأولى من قبيل الشركة التي يقرها الإسلام؛ فالمؤلف يعمل بفكره وجهده والناشر يُظْهِر هذا الجهد عن طريق النشر والطباعة وغير ذلك.

وفي الصورة الثانية: بذل المحقق لنص الكتاب أو المعلق أو الشارح جهدًا مشكورًا يستحق عليه التقدير؛ حيث أظهر المؤلَّف في صورة جديدة واضحة محققة أو معلَّقًا عليها أو مشروحة، وله أن يشترط من الشروط كما في الصورة الأولى ما عدا الشرط الذي فيه المدة غير محددة كما سبق في الصورة الأولى.

وفي الصورة الثالثة التي يقدم المؤلف الكتاب مطبوعًا ويحمل اسمه سواء تأليفًا أو تحقيقًا أو تعليقًا أو شرحًا، ويطلب التعاقد مع الناشر بمبلغ مالي حسب الطريقة الواردة في الصورة الأولى هذه الصورة جائزة أيضًا، ومثلها كمثل عملية التسويق التجاري، فهو يقدم البضاعة وأنت تبيعها له، ولك ربح معين ونصيب معلوم ولذا فلا تصح الحالة التي فيها المدة غير محددة؛ لحالتها المفضية للنزاع:

1- إذا كان الأمر كذلك فأخذ المبالغ من الناشر أو المؤلف حلال ولا إثم فيه؛ لأنه تعامل استظل بظل الشريعة وفيه تبادل المنافع في أمور مشروعة.

2- إذا طبع الناشر كتابًا ولم يعطِ مؤلفه مالًا فلا يجوز له ذلك إلا إذا كان هناك تراضٍ وإذن من المؤلف.

3- إذا كان للمؤلف حق، وعلم الموزع أن الناشر لم يعط المؤلف حقه كان شريك الناشر في الإثم؛ لأنه تعامل مع شخص أكل أموال الناس بالباطل، والإسلام يحرم ذلك.

4- إذا كان حق المؤلف قد تدخلت القوانين الوضعية في تنظيمه فتكون تلك القوانين نافذة المفعول ما دامت لا تتعارض مع مبادئ الشريعة، وتكون في تلك الحالة من الأمور المستحدثة لتوثيق الحقوق وإيضاحها منعًا من الاختلاف والتنازع، أما إذا كانت القوانين لم تتعرض لهذه الأمور، فالذي نراه أن للمؤلف حقًا ما دام مؤلَّفه متداولًا بين الناس، ويطبع ويتكرر طبعه، فبتكرار طبعه ينتفع الناس، ومن حقه أن يحصل على أجر نظير جهده الذي بذله، فهو يجنى ثماره ولورثته أن يرثوا هذا الحق سلالة بعد سلالة؛ لأن النفع حاصل بتكرار الطبع إلا إذا تنازل المؤلف أو الورثة عن هذا الحق، أما بالنسبة لمن لم يعرف وارثه سواء من المعاصرين أم القدماء، فللدولة أن تتولى الإشراف على ذلك نظير من مات ولا وارث له فلبيت المال.

5- يترتب على إخراج الطبعة الأولى منها ما ينتهي بإعادة صف حرف الكتاب ومنها ما لا ينتهي، ومن هذه الأمور شهرته وتعالم الناس به وهو ما يسمى الآن -دعاية وإعلام- وإخراجه وتصحيح أخطائه بحيث يكون سليمًا من الخطأ وصف حرفه وتشكليه وفهرسته وتقسيم سطوره وتقسيم صفحاته وترتيبه، وهذه الأمور يقوم بها الناشر، فهل للمؤلف أن يسلبه حقه بعد انتهاء فترة التعاقد معه كما في الصورة الثالثة أم تبقى حقا له؟ وهل هذه الأحقية تثبت شركته في الكتاب؟ إن الخطوات التي يقوم بها الناشر إزاء المؤلف حتى يصل إلى الغاية المرجوة والفائدة المرتقبة يستطيع الناشر أن يقوِّمها ماديًا حسب ما يبذل من جهد وطاقة وعمالة، ويلاحظ ذلك عند الاتفاق مع المؤلف أثناء الطبعة الأولى للكتاب بحيث يتم الاتفاق والتراضي بين الطرفين، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة تكرار الطبعات كما في الصورة الثالثة وما قبلها من الصورتين الأخريين ما عدا الحالة التي فيها المدة غير محددة، فالعلاقة بين المؤلف والناشر علاقة عمل وإنتاج وربح وتبادل منفعة مشروعة، فهي من قبيل الشركة ما دام التعامل بين الطرفين مستمرًا، ولكنها لا تثبت للناشر أحقية في الكتاب؛ ذلك لأن الكتاب نتاج فكر وحصيلة دراسة وتحقيق وبحث وتنقيب، وهذا لا يشارك فيه الناشر، إنما الناشر مثله كمثل المسوق للتجارة التي يروجها ويعلن عنها ويظهرها بالصورة اللائقة التي ترغب الناس في الإقبال عليها والحصول عليها، وهذه أمور تناول الناشر عليها المبالغ المتعاقد عليها وفي الوقت نفسه لا يعطيه حق الشركة في الكتاب؛ لأن فيه حَجْرًا على حق الغير وحريته، فقد يبدو للمؤلف أن يتعاقد مع ناشر آخر أو مطبعة أخرى أو قُطْرٍ غير هذا القطر يلتمس فيه رزقًا أوسع أو رواجًا أكثر.

6- صاحب الكتاب المحقق أو المعلق عليه أو المشروح واقع الحال الآن أنه لا يعطى شيئًا من المال كما في الصورة الثانية، فما حكمه، هل يسقط حقه بمجرد تعليق أو تحقيق يلحق بكتابه؟ أم أنه لا حق له في الأصل؟ إن صاحب الكتاب المحقق أو المعلق عليه أو المشروح ينبغي على من يريد تحقيقه أو التعليق عليه أو شرحه أن يستأذنه ويتفق معه على وضع معين إن كان على قيد الحياة، أو ورثته إن كان قد توفي، إلا إذا تنازل المؤلف أو الورثة عن هذا الحق، وإلا فالحالة كمن مات ولا وارث له؛ ذلك لأن المؤلف للكتاب هو صاحب الفكرة وهو الذي مهَّد السبيل لغيره، فلا يجوز شرعًا أن يغفل حقه ويهمل شأنه، ونُذَكِّر بالحديث الشريف؛ إذ يقول صلوات الله وسلامه عليه: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» رواه البخاري.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا