الطريقة الشرعية للدفن

تاريخ الفتوى: 21 أكتوبر 2014 م
رقم الفتوى: 6235
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الجنائز
 الطريقة الشرعية للدفن

ما هي الطريقة الشرعية للدفن؟ لأننا منذ أن نشأنا في بلدتنا كنا نقوم بحفر القبور عن طريق اللحد؛ ونظرًا لضيق المكان أصبح عندنا ما يسمى بالفسقية، وهي حفرة في الأرض تبنى لِتَسَع عددًا من الموتى، ويوضع فيها الميت بحيث تكون رأسه للغرب وقدماه للشرق على جانبه الأيمن؛ بحيث إذا جلس كان وجهُه وصدرُه جهةَ القبلة (مستقبل القبلة)، وهذا من عهد أجدادنا حتى يومنا هذا، حتى ظهر في هذه المدة من يشككون في الدفن وطريقة وضع الميت في القبر، فقالوا بالنص: (يحفر القبر من الجهة البحرية -شمالًا- إلى القبلية -جنوبًا-، ويُوضَع الميتُ رأسُه بحري وقدماه قبلي)، وقالوا لنا: إن طريقة الدفن السابقة طريقة غير صحيحة.

نرجو منكم بيان الطريقة الصحيحة شرعًا في كيفية الدفن.

الطريقة الصحيحة شرعًا في دفن الميت هي توجيهه للقبلة بحيث يكون وجهُه وصدرُه وبطنُه للقبلة؛ وتلك هي الطريقة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدفن والمتواترة عند المسلمين بنقل الخلف عن السلف؛ وأكثرُ العلماء على أنَّ توجيهَ الميت للقبلة واجبٌ شرعيٌّ عند القدرة، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن، فإن وُضِع على الأيسر جاز، وأما قول بعض المعترضين: إن الصواب هو وضع الميت ورأسُه (بحري) شمالًا وقدماه (قبلي) جنوبًا، ليس هو السنة، وإنْ كان ما قالوه قد أجازه بعض العلماء؛ وما كنتم تفعلونه من توجيه رجلي الميت إلى القبلة ليس هو السنة النبوية المأثورة، ولكنه  مجزئٌ أيضًا على قول بعض العلماء.

المحتويات

 

بيان حكم توجيه الميت للقبلة والأدلة على ذلك

المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في كيفية دَفن الميت: أن يُوَجَّه وجهُه إلى القِبلة، هذا ما عليه عملُ المسلمين سلفًا وخلفًا.

وكيفية التوجيه للقبلة: أن يُوضَع الميتُ على جنبه بحيث يكون وجهُه وصدرُه وبطنُه إلى القبلة، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن، فإن وُضِعَ على جنبه الأيسر جاز ذلك.

ونُقِل عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنَّه إن تعذّر ذلك وُضِع على ظهره ورجلاه للقبلة، مستقبلًا إياها بوجهه.

والذي عليه الجمهور أنَّ توجيه الميت للقبلة واجب، فيَحرُم عندهم تَوجيهُ الميت لغير القِبلة؛ كأن تُوضَع رجلُه للقبلة كما هو حاصلٌ مِن بعض مَن يدفن في هذا الزمان.

ومن أدلة ذلك: ما رواه عُبَيد بن عُمَير بن قتادة الليثي، عن أبيه عُمَير بن قتادة رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْكَبَائِرُ تِسْعٌ» وعدَّ منها: «وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» أخرجه أبو داود والنسائي، والحاكم وصححه.

وعند المالكية وبعض الحنفية: أنَّ توجيه الميت إلى القبلة مطلوب شرعًا على جهة السُّنِّيّة والاستحباب، لا على جهة الحتم والإيجاب، وهو قول أبي الطيب من الشافعية، وقولٌ عند الحنابلة.

نصوص فقهاء المذاهب في هذه المسألة

قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (2/ 235-236، ط. دار الفكر): [ويُوجَّه إليها وجوبًا، وينبغي كونُه على شقه الأيمن] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 236): [(قوله: وجوبًا) أخَذه مِن قول "الهداية": بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن لم يجده المخرجون. وفي "الفتح" أنه غريب، واستؤنس له بحديث أبي داود والنسائي: "أن رجلًا قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: «هي تسع»، فذكر منها: استحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتًا". اهـ.

قلت: ووجهه أنَّ ظاهره التسوية بين الحياة والموت في وجوب استقباله، لكن صرح في "التحفة" بأنه سنة كما يأتي عقبه. قوله: (ولا يُنبَشُ ليُوَجَّه إليها)؛ أي: لو دُفِنَ مستدبرًا لها وأهالوا التراب لا يُنبَش؛ لأنَّ التوجه إلى القبلة سنة والنبش حرام، بخلاف ما إذا كان بعد إقامة اللَّبِن قبل إهالة التراب، فإنه يزال ويوجه إلى القبلة عن يمينه، "حلية" عن "التحفة"] اهـ.

وقال الإمام أبو محمد بن أبي زيد المالكي في "النوادر والزيادات" (1/ 541، ط. دار الغرب الإسلامي): [ومن "الواضحة": قال مالك: لا أحب ترك توجيه الميت إلى القبلة إن استُطيعَ ذلك، ومن "المجموعة": ابن القاسم عن مالك في التوجيه، قال: ما علمته من القديم. وقال هو ابن وهب عنه: وينبغي أن يُوجه إلى القبلة على شقه الأيمن، فإن لم يقدر فعلى ظهره ورجلاه في القبلة. ونحوه في "الموطأ" وفي "المختصر"، وقاله ابن وهب، في "العتبية": قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى التوجيه عن علي بن أبي طالب وجماعة من السلف، فإن لم يقدر على ذلك لشدة نزلت به، أو لغير ذلك، أو لنسيان، أو شغل، فلا حرج] اهـ.

وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "التلقين" (1/ 57، ط. دار الكتب العلمية): [ويُجعَلُ الميتُ على جنبه الأيمن مستقبلَ القبلة، فإن تعذَّر ذلك جُعِلَتْ رجلاه في القبلة واستقبلها بوجهه] اهـ.

وقال الإمام الحافظ ابن عبد البر المالكي في "الكافي" (1/ 283، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [ويُجعل الميت في قبره على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يمكن جُعِل على ظهره مستقبلًا القبلة] اهـ.

وقال العلامة الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 500-501، ط. دار الفكر): [(و) نُدِبَ (ضَجْعٌ) بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم؛ أي: إرقادٌ للميت (فيه) أي: القبر، لحدًا كان أو شقًّا (على) جنبٍ (أيمنَ) حال كونه (مُقَبَّلًا) بضم الميم وفتح القاف والباء: مثقلًا؛ أي: مجعولًا وجهُه للقبلة.. (وتُدُورك) بضم المثناة والدال المهملة؛ أي: أُدرِك الميتُ ندبًا (إن خُولِف) في دفنه ما تقدم؛ بأن جُعِلَ ظهرُه للقبلة، أو جُعِلَ وجهُه للمشرق، أو المغرب، أو جُعِلَ على أيسره، أو ظهره، أو بطنه. وصلةُ "تدورك" (بالحضرة) للدفن؛ بأن يُسوَّى الترابُ عليه، ومثَّل للمخالفة بقوله: (كتنكيس رجليه)؛ أي: جعلهما موضع رأسه؛ بأن دُفِنَ على يساره، وأدخل بالكاف باقي الصور المتقدمة] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (5/ 293، ط. دار الفكر): [يجب وضع الميت في القبر مستقبل القبلة، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور.. وقال القاضي أبو الطيب في كتابه "المجرد": استقبال القبلة به مستحب ليس بواجب، والصحيح الأول. واتفقوا على أنه يستحب أن يُضجَع على جنبه الأيمن، فلو أُضجِعَ على جنبه الأيسر مستقبلَ القبلة جاز، وكان خلاف الأفضل] اهـ.

وقال الإمام النووي أيضًا في "روضة الطالبين" (2/ 134-135، ط. المكتب الإسلامي): [إذا وُضع في اللحد أُضجِع على جنبه الأيمن مستقبلَ القبلة، بحيث لا يَنكَبُّ ولا يستلقي، بأن يُدنَى من جدار اللحد، ويُسنَدَ ظهرُه بلَبِنَةٍ ونحوها، ووضعُه مستقبلَ القبلة واجبٌ، كذا قطع به الجمهور، قالوا: فلو دُفِنَ مستدبِرًا أو مستلقيًا نُبِشَ ووُجِّهَ إلى القبلة ما لم يتغير، فإن تغير لم يُنبَش. وقال القاضي أبو الطيب في كتابه "المجرد": التوجيه إلى القبلة سنة، فلو تُرِك استُحِبَّ أن يُنبَش ويُوَجَّهَ، ولا يجبُ. وأما الإضجاع على اليمين فليس بواجب، فلو وُضع على اليسار مستقبلَ القبلة كُرِهَ ولم يُنبَشْ] اهـ.

وقال العلامة المرداوي الحنبلي في كتابه "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (2/ 546-547، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (ويضعه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة)، وضعُه على جنبه الأيمن مستحب بلا نزاع، وكونُه مستقبل القبلة واجب على الصحيح من المذهب، اختاره القاضي وأصحابه، والمصنف وغيرهم، وقطع به الآمدي، والشريف أبو جعفر، والقاضي أبو الحسين، وغيرهم، وقدمه في "الفروع"، وقال صاحب "الخلاصة" و"المحرر": يستحب ذلك، وقدمه ابن تميم، فعلى المذهب: لو وُضِع غيرَ مستقبلِ القبلة نُبِشَ على الصحيح من المذهب، قال ابن عقيل: قال أصحابنا: يُنبَشُ إلا أن يُخاف أن يَتَفَسَّخ، وعلى القول الثاني: لا يُنْبَش على الصحيح من المذهب، قاله في "النكت"] اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "دقائق أولي النهى" (1/ 373، ط. عالم الكتب): [(ويجب أن يستقبل به)؛ أي: الميت (القبلة)؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الكعبة: «قِبْلتكُم أَحْيَاءً وأَمْواتًا»، ولأنه طريقة المسلمين بنقل الخلف عن السلف] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالطريقة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدفن والتي تواترت عند المسلمين بنقل الخلف عن السلف، هي توجيه الميت للقبلة بحيث يكون وجهُه وصدرُه وبطنُه للقبلة، وأكثرُ العلماء على أنَّ توجيهَ الميت للقبلة واجبٌ شرعيٌّ عند القدرة، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن، فإن وُضِع على الأيسر جاز، وما قاله لكم المعترضون عليكم من أنَّ الصواب أن يوضع الميت رأسُه (بحري) شمالًا وقدماه (قبلي) جنوبًا، ليس هو السنة، وإن كان ما قالوه جائزًا كما سبق.

وما كنتم تفعلونه من توجيه رجلي الميت إلى القبلة ليس هو السنة النبوية المأثورة، ولكن لا يلزمكم نبش قبور موتاكم التي دفنتموهم لتغيير ذلك؛ تقليدًا لقول من لم يوجب ذلك من العلماء، وقد نصَّ المالكية على أنَّ ما فعلتموه مجزئٌ عند تعذر توجيه الوجه والصدر والبطن للقبلة، أو عند النسيان، ويمكن أن يلحق بذلك الجهلُ بالحكم أيضًا، مع التنبيه على أنَّ الأصل عندهم وعند علماء المسلمين سلفًا وخلفًا أنَّ التوجيه للقبلة إنما يكون بالوجه والصدر كما سبق.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما رأي الدين في الشباب الذين يأتون ويصلون الجنازة على القبر بعد الانتهاء من عملية الدفن، وذلك بحجة أنَّ المسجدَ الذي تمت فيه صلاة الجنازة يوجد به ضريحان لبعض الصالحين، وقاموا بهدم الضريحين بحجة توسعة المسجد؟

وكذلك يحرمون قراءة القرآن على القبر أثناء الدفن، ويقفون ويتراصون ويقولون: "استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل".

لذا أرجو من فضيلتكم الرد بفتوى رسمية لكي نتمكن من توزيعها، وخصوصًا نحو هدم الأضرحة، وصلاة الجنازة عند القبر، وقراءة القرآن عند القبر أثناء الانتهاء من عملية الدفن؛ لأن هذه الفئات الضالة منتشرة بقريتنا والقرى المجاورة كما تنتشر النار في الحطب.


يقول السائل: عند امتلاء المقابر نقوم بعمل عظَّامة يُوضع فيها ما تبقى من عظام المُتَوَفَّين؛ فمتى يتمُّ تطهيرُ المقابر لعمل تلك العظَّامة؟ وهل يُشْتَرَط فناء المُتَوَفَّين تمامًا حتى يمكن لنا عمل تلك العظَّامة؟


 اطلعنا على الطلب الـمُقَدَّم، والمتضمن الأسئلة الآتية:
أولًا: ما هي آداب الدفن الشرعية؟
ثانيًا: هل يجوز بناء مقبرة (فسقية) فوق قبور دفن بها منذ أربعين عامًا؛ وذلك لضيق المكان، ولأن الدفن قد توقف مما سبب طمع بعض المعتدين الذين نبشوا القبور القديمة وأزالوا شواهدها بغية الاستيلاء على المقبرة؛ مما جعلنا ننشئ هذه المقابر لتجديد الدفن وجعلها حقوقًا للمسلمين عامة؟
ثالثًا: هل يجوز شق طريق بين هذه المقابر؛ وذلك لبناء مقابر أخرى في المساحة المتبقية نظرًا لأن تعداد السكان في تزايد مستمر؟
رابعًا: هل يجوز وضع أكثر من ميت في العين الواحدة؟
خامسًا: قد تم تشجير الجبّانة حول السور وداخله، فما الحكم؛ حيث إنه من الممكن وجود جثث تحت أو جوار الأشجار؟ وهل يجوز زرع أشجار مثمرة؟ بالعلم أنها تروى بالتنقيط؟
سادسًأ: هل يجوز إنشاء دورة مياه داخل سور المقابر؛ بحيث يكون الخزان خارج السور؟
سابعًا: ما حكم الشرع في بناء المقبرة بالطوب الأحمر الطفلي؟ مع العلم أنه دخل النار. وما حكم البناء بالطوب الجيري البلوك؟ مع العلم أننا نبني جسم المقبرة بالبلوك، والقبو بالطوب الأحمر الطفلي؟
ثامنًا: هل يجوز تجديد المقام المبني داخل المقابر لشيخ يدعى السنوسي أم لا؟


ما حكم إلقاء موعظة أثناء انتظار المشيعين لحضور الجنازة للصلاة عليها، وعند القبر بعد دفن الميت؟ وما حكم رَمْيُ مَن يفعل ذلك بالابتداع؟


ما حكم الشرع في قراءة القرآن على القبر عقب الفراغ من دفن الميت؟


ما حكم صلاة الجنازة على أكثر من متوفى مرة واحدة؟ نظرًا لما حدث من انتشار فيروس كورونا المستجد، وما ترتَّب عليه من زيادة أعداد الموتى بسبب هذا الوباء، وما نتج عنه مِن اجتماع أكثر مِن جنازة في وقت واحد للصلاة عليها؛ فهل إذا صلَّى الإنسان على أكثر مِن جنازة دفعة واحدة ينال مِن الأجر والثواب ما يأخذه لو صلَّى على كل جنازة منفردة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57