ما حكم ما تم دفعه من ثمن الأضحية التي ماتت قبل استلامها من البائع؟ فقد اشتريت بهيمة للأضحية من أحد تجار المواشي وعاينتُها، ودفعتُ أكثر ثمنها بناءً على وزنها مبدئيًّا وقت المعاينة، مع الاتفاق على أنها في ضمان البائع حتى موعد تسليمها المتفق عليه بيننا وهو يوم العيد؛ حيث يتم الوزن حينئذ ودفع باقي الثمن الذي يتحدد بناءً على هذا الوزن النهائي، وتراضينا على ذلك، وبعد يومين ماتت هذه البهيمة، وأرجع لي التاجر المبلغ الذي كنت قد دفعته له. وسؤالي حتى لا أقع في الإثم: هل يجب عليَّ شيءٌ تجاه البائع؟ وهل يحصل لي ثواب الأضحية في هذه الحالة؟
ما تمَّ بينك أيها السائل الكريم وبين بائع المواشي من شراء بهيمة الأضحية ومعاينتها ودفع أكثر ثمنها، مع الاتفاق على تأجيل تسليمها إلى يوم العيد، بحيث يتم حينذاك الوزنُ النهائي ودفعُ باقي الثمن، وتراضيكما على ذلك؛ هو بيع صحيحٌ وجائزٌ شرعًا، إلا أن هلاك هذه الأضحية بالموت قبل أن يتم التسليم المتفق عليه يُبطل هذا البيع الذي بينكما، وتكون تَبِعَةُ هلاكها على البائع، ومن ثمَّ فإن ما قام به من إرجاع الثمن المدفوع تَصَرُّفٌ صحيح، ولا إثم عليك في أخذه؛ لأنه من حقك.
أما عن تحصيل ثواب الأضحية: فلا تجزئك هذه البهيمة عن الأضحية، ما لم تجتهد في البحث عن غيرها لتذبحها في الأيام الأربعة المخصصة لذبح الأضاحي؛ وهي: يوم عيد الأضحى وما يليه من أيام التشريق الثلاثة، فإنْ عجزت عن إيجاد غيرها حتى غروب شمس ثالث أيام التشريق -وهو: رابع أيام العيد- فإنه يُرْجَى لك الإثابة على نيتك.
المحتويات
المعاملات الجارية بين الناس يُرَاعى فيها ابتداءً تحقُّقُ شروط العقود عامة؛ من أهلية المتعاقدين، وحصول الرضا بينهما، وانتفاء الغرر، وكذلك خلو المعاملة من الشروط الممنوعة شرعًا؛ كما جاء في الحديث الشريف عن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه الترمذي -وصححه- والدارقطني والبيهقي في "السنن".
من المقرر شرعًا أنَّ عقدَ البيع إذا تحققت فيه أركانه؛ من العاقدين: (البائع والمشتري)، والمعقود عليه: (الثمن والمثمن)، والصيغة: (الإيجاب والقبول)، وخَلَا ممَّا يفسده أو يبطله؛ كان صحيحًا.
قال الإمام الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (5/ 5، ط. دار الفكر): [اعلم أنَّ للبيع أركانًا ثلاثة: الصيغة، والعاقد: وهو البائع والمشتري، والمعقود عليه: وهو الثمن والمثمن] اهـ.
والعقد الوارد بالسؤال: هو بيعٌ تامٌّ تحققت فيه أركان البيع الصحيح؛ حيث حصل فيه الإيجابُ مِن البائع والقبولُ مِن المشتري، وذلك بعد معاينة بهيمة الأضحية معاينةً نافيةً للجهالة، والاتفاق على ثمنها بطريقة تقريبية بناءً على وحدة قياسٍ منضبطةٍ غالبًا هي الكيلوجرام القائم لها -أي: وزن البهيمة قائمةً وهي حية غير مذبوحة ولا مُشَفَّاة-، مع التراضي بين الطرفين على تأجيل تسليمها إلى يوم العيد فحينئذٍ يتم وزنها قائمة مرة أخرى لاحتساب ثمنها بشكل نهائي، ودفع المشتري ما بقي منه عليه.
وقد نصَّ فقهاء الحنفية على جواز إبقاء المبيع في حوزة البائع بعد انعقاد البيع بالإيجاب والقبول من طرفيه؛ سواء على سبيل الوديعة أو الرهن على باقي الثمن أو غير ذلك، وأنَّ هذا الحوز لا يُعَدّ قبضًا للمبيع مِن طرف المشتري؛ لأن يد البائع لم ترتفع عن المبيع بَعْدُ، وأنَّه يترتب عليه: بقاء المبيع في عهدة البائع وضمانه حتى يقبضه المشتري.
قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (4/ 561، ط. دار الفكر): [ومِن القبض: ما لو أودعه المشتري عند أجنبي أو أعاره وأمر البائع بالتسليم إليه، لا لو أودعه أو أعاره أو آجره من البائع أو دفع إليه بعض الثمن وقال: تركته عندك رهنًا على الباقي] اهـ.
ثم قال (4/ 563): [في "البزازية"... اشترى بقرةً مريضةً، وخَلَّاها في منزل البائع؛ قائلًا: إنْ هَلَكَت فَمِنِّي، وماتت: فمن البائع؛ لعدم القبض] اهـ.
فمتى كانت بهيمة الأضحية المسؤول عنها معلومةً ومضمونةً، وكان البائع قادرًا على تسليمها؛ جاز الاتفاق على تأخير هذا الاستلام، وتَبقى بهذه الصورة الواردة في ضمان البائع لحين حلول الأجل الذي اتفق عليه المتعاقدان.
ومع جواز تأخير إقباض المبيع إذا كان منقولًا، إلَّا أن تسليمه للمشتري ونقله إلى ملكيته وحيازته شرطٌ لتمام البيع وترتب آثاره عند جمهور الفقهاء؛ من الحنفية والشافعية، واشترطه الحنابلة في بعض الصور، بينما جعله المالكية أثرًا من آثار البيع.
قال العلَّامة البابرتي الحنفي في "العناية شرح الهداية" (6/ 291، ط. دار الفكر): [البيعُ لا يجوز إذا حدثَ شيءٌ قبل القبض] اهـ.
وجاء في "مجلة الأحكام العدلية" (ص: 55، ط. نور محمد): [المادة (264): متى حصل تسليم المبيع صار المشتري قابضًا له] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (5/ 122، ط. دار الغرب الإسلامي) في آثار البيع: [ومن آثاره: استحقاق القبض] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (13/ 57، ط. دار الفكر): [ومِلك المشتري على المبيع لا يتم إلا بالقبض] اهـ.
وقال العلَّامة البهوتي الحنبلي في "دقائق أُولي النُّهى" (2/ 57، ط. عالم الكتب): [(يقبض منهما) الثمن والمثمن، (ويسلم المبيع) لمشترٍ، (ثم) يسلم (الثمن) لبائع؛ لأن قبض المبيع من تتمَّات البيع في بعض الصور، واستحقاق الثمن مرتَّبٌ على تمام البيع، ولجريان العادة بذلك] اهـ.
ولا يؤثر في صحة هذا البيع الغرر الحاصل بتغيُّر وزن بهيمة الأضحية عند قبضها يوم العيد، والمترتب عليه جهالة في ثمنها -حيث يعاين المشتري بهيمةَ الأضحية، ويَعرف وَزْنَها بالتقريب، ويتفق مع البائع على سعر الكيلوجرام القائم منها، ثم يدفع جزءًا من الثمن أو غالبَه، ويُرجِئُ باقيه ليوم العيد عند استلام البهيمة بعد تحديد وزنها بشكل نهائي-؛ لأنه غررٌ يسيرٌ جرى عليه عرف المصريين في تجارة المواشي قرب حلول موسم عيد الأضحى؛ حيث إن التفاوت بين الوزنين قليلٌ غالبًا.
وقد نصَّ فقهاء المذاهب على صحة العقود مع وجود غررٍ يسير؛ قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (13/ 17، ط. دار المعرفة): [وقدْ يجوزُ أنْ يحملَ العقد لليسيرِ من الغررِ دونَ الكثيرِ منهُ] اهـ.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في "القبس" (ص: 814، ط. دار الغرب الإسلامي): [لا خلاف بين العلماء في أنَّ يسيرَ الغررِ لغوٌ معفوٌّ عنه] اهـ.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي" (5/ 124، ط. دار الكتب العلمية): [والغررُ اليسيرُ في البيعِ مُجوزٌ للضرورةِ] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (4/ 170، ط. مكتبة القاهرة): [الغررُ اليسيرُ إذا احتملَ في العقدِ؛ لا يلزمُ منهُ احتمالُ الكثير] اهـ.
وقال الشيخ ابن القيم الحنبلي في "زاد المعاد" (5/ 727، ط. مؤسسة الرسالة): [والغرر إذا كان يسيرًا، أَوْ لَا يمكن الاحتراز منه؛ لم يكن مانعًا من صحة العقد] اهـ.
إنْ هلك المبيع -وهو هنا: البهيمة المُشتَراة للأضحية- في يد البائع قبل قبض المشتري له: ترتَّب على ذلك بطلانُ عقدِ البيع، وكان على البائع أن يَرُدَّ ما أخذه من الثمن إلى المشتري؛ لفوات محلّ التعاقد.
قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني الحنفي في "الحجة على أهل المدينة" (2/ 557، ط. عالم الكتب): [وَإِذا لم يقبض المُشْتَرِي مَا اشْترى؛ فَمَا ذهب مِنْهُ من قَلِيلٍ أَو كثيرٍ فَهُوَ مِن مَال البَائِع؛ لأنه هلك فِي ضَمَان البَائِع قبل أن يُسلمهُ إلى المُشْتَرِي] اهـ.
وقال العلَّامة البابرتي الحنفي في "العناية شرح الهداية" (6/ 494): [وهلاك المبيع من كل وجهٍ مبطلٌ للعقد إذا كان قبل القبض] اهـ.
وقال العلَّامة القرافي المالكي في "الذخيرة" (6/ 255) في بيان ما يبطل العقد: [وهلاك المبيع قبل القبض] اهـ.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (5/ 136، ط. دار الكتب العلمية): [قال الشافعي: كل سلعةٍ باعها فهلكت قبل القبض فمِن مالِ بائعها؛ لأنه كان عليه تسليمُها، فلما هلكت لم يكن له أخذ ثمنها. وهذا صحيح؛ إذا تلفت السلعة المبيعة في يد بائعها قبل قبض المشتري لها بطل البيع، وكانت من ضمان البائع، واستحق المشتري استرجاع الثمن؛ سواء بَذَلَهَا البائعُ فامتنع المشتري مِن قبضها، أو طَلَبَهَا المشتري فامتنع البائع مِن إقباضها؛ هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (3/ 500، ط. المكتب الإسلامي): [قال أصحابنا: إذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب.. هلاك المبيع قبل القبض] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 72، ط. مكتبة القاهرة): [فإنِ انفسخ العقد لتلف المبيع أو تعذر الـمُسْلَم فيه؛ وجب ردُّ الثمن] اهـ.
وهذا ما عليه القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948م، وتعديلاته الصادرة في 16 يوليو لسنة 2011م؛ حيث نصَّت المادة رقم (437) منه على: [إذا هلك المبيع قبل التسليم لسببٍ لا يد للبائع فيه: انفسخ البيع، واستردّ المشتري الثمنَ، إلا إذا كان الهلاك بعد إعذار المشتري لتسلُّم المبيع] اهـ.
ويترتب على بطلان العقد أو انفساخه بموت بهيمة الأضحية محلّ العقد قبل أن يقبضها المشتري: عدم إجزاء هذه البهيمة أضحية عنه، وله حينئذٍ أن يشتريَ غيرها لتكون أضحية عنه، فإن اجتهد في ذلك فلم يجد حتى غروب شمس آخر أيام التشريق جُوزِيَ على نيته؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» متفق عليه.
قال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (10/ 722، ط. مجمع الملك فهد): [والإرادةُ الجازمةُ إذا فعلَ معها الإنسانُ ما يقدرُ عليه كان في الشرع بمنزلة الفاعل التام؛ له ثواب الفاعل التام، وعقاب الفاعل التام] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ ما تمَّ بينك وبين بائع المواشي من شراء بهيمة الأضحية ومعاينتها ودفع أكثر ثمنها، مع الاتفاق على تأجيل تسليمها إلى يوم العيد، بحيث يتم حينذاك الوزنُ النهائي ودفعُ باقي الثمن، وتراضيكما على ذلك؛ هو بيع صحيحٌ وجائزٌ شرعًا، إلا أن هلاك هذه الأضحية بالموت قبل أن يتم التسليم المتفق عليه يُبطل هذا البيع الذي بينكما، وتكون تَبِعَةُ هلاكها على البائع، ومن ثمَّ فإنَّ ما قام به من إرجاع الثمن المدفوع تَصَرُّفٌ صحيح، ولا إثم عليك في أخذه؛ لأنه من حقك.
وأما عن تحصيل ثواب الأضحية: فلا تجزئك هذه البهيمة عن الأضحية، ما لم تجتهد في البحث عن غيرها لتذبحها في الأيام الأربعة المخصصة لذبح الأضاحي؛ وهي: يوم عيد الأضحى وما يليه من أيام التشريق الثلاثة، فإن عجزت عن إيجاد غيرها حتى غروب شمس ثالث أيام التشريق -وهو: رابع أيام العيد- فإنه يُرْجَى لك الإثابة على نيتك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز لمَن حجّ عن آخر بعد وفاته الحصول على مال من تركته مساويًا لما أنفقه مقابل تأدية فريضة الحج نيابة عنه؟ وهل يختلف الأمر في حالة الوصية وعدمها؟
ما حكم قصر الحج على الموجودين في السعودية بسبب الوباء؟ ففي ظل انتشار وباء كورونا في هذه الآونة، قررت وزارة الحج بالسعودية إقامة حج هذا العام بأعداد محدودة جدًّا للراغبين في أداء مناسك الحج لمختلف الجنسيات من الموجودين داخل المملكة، وذلك حرصًا على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحيًّا، يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهددات هذه الجائحة، فهل يتماشى هذا القرار مع أحكام الشريعة الإسلامية؟ خاصة مع ظهور بعض الدعاوى بأن منع الحج أو تقييده بشكل جزئي لا يجوز، وأن هذه سابقة لم تحدث قبل ذلك.
أيهما أولى الحج أم الزواج؛ حيث يَبلغ السائل السادسة والعشرين من العمر، ويعمل بإحدى الدول العربية، يمكنه ماديًّا أداء فريضة الحج من ماله الحلال الطيب، إلا أنه لم يتزوج بعد. ويسأل: أيهما يُفضَّل: أداء فريضة الحج، أم الزواج؟
ما هو وقت طواف الإفاضة في الحج؟ حيث كنتُ في الحج العام الماضي، وبعد الوقوف بعرفة وبالتحديد في يوم النحر مرضتُ فلم أستطع أن أؤدي طواف الإفاضة في هذا اليوم، وقمتُ بأدائه في اليوم الثاني من أيام التشريق، والسؤال: ما هو آخر وقت يصح فيه طواف الإفاضة؟ وإذا أخَّرتُ عن هذا الوقت فهل علَيَّ دم؟
هل لمن سعى دون نية مخرج؟ ومن فَرَّقَ أشواط السعي على أيام، ومن مشى السبعة الأشواط لإعانة ضعيف على السعي هل يصح هذا له سعيًا مع اقتصاره على نية إعانة الغير؟
ما حكم طواف الإفاضة للحائض؟ فهناك امرأةٌ ذهبت لأداء فريضة الحج، وداهمها الحيض قبل طواف الإفاضة، واقترَب موعد السفر مِن مكة المكرمة، بحيث لا تتمكن مِن الانتظار حتى تَطْهُر، فطافَت وعادت إلى بلدها، وتسأل: هل حجُّها صحيح شرعًا؟ وهل عليها شيء؟