ما كيفية الطهارة عند وقوع النجاسة على شيء ولم يُعرَف موضعها؟ فقد توضأتُ للصلاة، ولما فرَغتُ مِن الوضوءِ وَقَعَ عليَّ ماءٌ نجسٌ، وأصاب ثَوبِي وبَدنِي، وتَطَايرَ على المكان الذي أُرِيدُ الصلاة فيه، لكن لا أعلم موضع تلك النجاسة التي أصابتني، فما حكم الصلاة في هذه الحالة؟
مَن أصاب ثوبه أو بدنه نجاسة غير معفوٍّ عنها عَلِم موضعها، فيكفيهِ غَسْل موضعها، فإن لم يعلم موضعها وجبَ غسل جميع الثوبِ أو البدن الذي أصابته النجاسة.
وأَمَّا المكان فإن أصابته نجاسةٌ عَلِم موضعها فيكفي غَسْل هذا الموضع، فإن خَفِيَ موضعُ النجاسةِ؛ فإن كان المكان صغيرًا، فلا تُجزئ الصلاةُ فيه حتى يَغْسلَه كله، وإن كان المكان واسعًا فلا يجب غَسْله ويصلي حيث شاء، لأنَّ ذلك يشق عليه.
المحتويات
من المقرَّر شرعًا أنَّ مراعاة طهارة الثوب والبدن والمكان لازمة لـمَن أراد الصلاة؛ أمَّا طهارة الثوب فلقوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4].
قال الإمام الشافعي في "تفسيره" (3/ 1411، ط. دار التدمرية): [قال اللَّه عزَّ وجلَّ: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ الآية، فقيلَ: يُصَلِّي في ثيابٍ طاهرةٍ، وقيلَ: غيرُ ذلكَ، والأوَّلُ أَشْبَهُ؛ لأن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أمرَ أن يُغسَلَ دم الحيضِ من الثوبِ] اهـ.
وأمَّا طهارةُ البدنِ فلما رواه الشيخان -واللفظُ لمسلم- عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم على قبرينِ فقالَ: «أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ».
قال العلامة ابن بَطَّال في "شرح صحيح البخاري" (1/ 325، ط. مكتبة الرشد): [أجمعَ الفقهاءُ على نجاسةِ البولِ والتنزُّه عنه. وقوله: "كان لا يَسْتَتِر من بَوله"، يعني أنَّه كانَ لا يَسْتُر جَسَدَه ولا ثِيَابَه من مُماسَّةِ البولِ، فلما عُذِّبَ على استخفافهِ لغَسلهِ والتحرزِ منه، دلَّ أنَّه مَن تركَ البولَ في مَخْرَجِهِ، ولم يَغْسِلْهُ، أنَّه حقيقٌ بالعذابِ] اهـ.
ولما رواه الشيخان -واللفظ للبخاري- عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي».
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (2/ 66، ط. مكتبة الغرباء): [وأما قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: (فإذا أدْبَرَت)، أو (-فإذا ذهبَ قدرها- فاغسلي عنكِ الدم وصلي). وفي روايةٍ أُخْرَى: (فاغْتَسِلِي وَصَلي)، فإنَّه يُجْمَعُ بينَ الروايتين ويُؤْخَذُ بهما في وجوبِ غَسلِ الدم والاغْتِسَالِ عندَ ذهابِ الحيضِ] اهـ.
وأمَّا طَهارةُ مكانِ الصلاةِ؛ فلقوله تعالى: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة: 125].
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (16/ 9، ط. دار إحياء التراث العربي): [وتطهيرُ المساجدِ واجبٌ؛ لقوله تعالى: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾] اهـ.
واستنادًا إلى تلكَ النصوص الشرعية السابقة؛ فقد اتَّفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: على أنَّ طهارةَ الثوبِ والبدنِ والمكانِ شرطٌ من شروط صحة الصلاة، وذلك كما أفادته عبارة "بدائع الصنائع" للعلامة الكاساني الحنفي (1/ 114، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح الخَرَشِي على مختصر خليل" للعلامة الخَرَشِي المالكي (1/ 103، ط. دار الفكر)، و"المجموع"، للإمام النووي الشافعي (3/ 131، ط. دار الفكر)، و"كشاف القناع" للعلامة البُهُوتي الحنبلي (1/ 288، ط. دار الكتب العلمية).
مَن أصاب ثوبَه أو بدنَه أو مكان صلاته نجاسةٌ ظاهرةٌ وجبَ عليهِ إزالتها حال القُدْرة، وإلَّا لا تَصِحُّ صلاتُه، فإن كانت النجاسةُ خفيَّةً لا يُعْلَمُ مَوْضِعُها، وأصابتْ ثوبَه أو بدنَه أو مكان صلاته، ففي ذلك تفصيل:
أَوَّلًا: إذا أصابت النجاسةُ ثوبَ المصلِّي أو بَدَنَهُ وكانت خفيَّةً لا يُعلم مَوْضِعُها؛ فيرى جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة: أنه يجبُ غَسْلُ جميعِ البدنِ الذي أصابتهُ النجاسةُ، وكذلكَ يجبُ غسلُ جميعِ الثوبِ الذي أصابته النجاسة، ووافقهم في ذلك الحنفية في مقابل المختار عندهم، لكن ليس إلزامًا، وإنما احتياطًا.
قال العلامة الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 49، ط. المكتبة العصرية): [ولمن أصابته نجاسةٌ وخَفِيَ مكانها؛ فَيَغْسِل جميعَ بدنِه، وكذا جميعُ جميعَ ثوبِه احتياطًا] اهـ.
قال العلامة الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 160، ط. دار الفكر): [مَن تحقَّق إصابةَ النجاسةِ لمحلٍّ؛ فإنْ عرف موضعها منه غسله، وإنْ لم يعرفْ موضعَ النجاسةِ مع تحقُّقِه الإصابة، فإنه يغسل جميع ما شك في إصابة النجاسة له؛ لأنَّه لما تحققَ إصابةَ النجاسةِ وجبَ غسلها ولما لم يتميز موضعها تعين غسل الجميع] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 211) في بيان المسائل التي لا يُزَال حكم اليقين بالشك فيها: [مَن أصابته نجاسةٌ في بدنِه أو ثوبِه وجهل موضعها يلزمه غسله كله] اهـ.
وقال العلامة ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (7/ 493، ط. مكتبة القاهرة): [لو أصابَ ثوبهُ نجاسةٌ وشكَّ في موضِعِها فإنَّه لا يزولُ حُكم النجاسةِ بغسلِ موضعٍ من الثوب ولا يزولُ إلا بغَسلِ جميعه] اهـ.
بينما يرى فقهاء الحنفية أَنَّ النجاسة إذا أصابت الثوب أو البدن وخَفِيَ موضعها، فلا يَلْزَمه غَسْل الجميع، وإنما يكفيه غَسْل طرف الثوب أو البدن، وهو المختار عندهم.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 170، ط. دار الفكر): [قال في "الإمداد": ويُندب غَسْل جميع بدنه أو ثوبه إذا أصابته نجاسة وخفي مكانها اهـ، وفيه ما مَرَّ مع مخالفته لما قَدَّمه الشارح تبعًا للبحر وغيره، لكن قدمنا أَنَّ الشارح سيذكر في الأنجاس أنَّ المختار أنه يكفي غَسْل طرف الثوب، فما في "الإمداد" مبني عليه. فتَدبَّر] اهـ.
ثانيًا: إذا أصابتِ النجاسةُ مكانًا يريد المُصَلِّي الصلاة فيه وخَفِيَ موضعها، ففيه خلاف: فيرى المالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ، وزُفَر من الحنفية أنَّ النجاسة إذا كانت في مكانٍ صغيرٍ وَخَفِيَ مكانها، فلا تُجزئ الصلاةُ فيهِ حتى يَغْسِلَهُ كله؛ إذ الأصلُ بقاءُ النجاسةِ ما بقيَ جُزءٌ منها، وإن كان المكان واسعًا فلا يجبُ غَسْلُه، ويُصَلِّي حيثُ شاء، لأنَّ ذلك يشقُّ عليهِ، ولأنه لو مُنِعَ الصلاةَ أفضى إلى أنْ لا يجدْ موضعًا يُصَلِّي فيه.
قال الشيخ الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 158): [محلُّ النجاسة سواء كان بدنًا، أو ثوبًا، أو أرضًا، أو غير ذلك إذا أريد تطهيره إنَّما يَطْهُر بغَسْله، ولا يطهر بغير الغَسْل] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 403، ط. دار الكتب العلمية): [(ولو نَجَس) بفتح الجيم وكسرها (بعضُ ثوبٍ أو) بعضُ (بدنٍ) أو مكانٍ ضيقٍ (وجُهِل) ذلكَ البعضُ في جميعِ ما ذكرَ (وجبَ غَسْلُ كله) لتصحَّ الصلاةُ فيه؛ إذ الأصلُ بقاءُ النجاسةِ ما بقيَ جزءٌ منهُ، فإن كانَ المكانُ واسعًا لم يجبْ عليهِ الاجتهادُ، ولكن يُسنُّ، فله أن يُصلي فيه بلا اجتهادٍ] اهـ.
وقال العلامة ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (2/ 64): [وإن خَفِيت النجاسةُ في فضاءٍ واسعٍ، صَلَّى حيثُ شاءَ، ولا يجب غَسْلُ جَمِيعِهِ، لأنَّ ذلكَ يَشُقُّ، فلو مُنِعَ من الصلاةِ أفضى إلى أن لا يجد موضعًا يُصَلِّي فيه، فأمَّا إن كان موضعًا صغيرًا، كبيتٍ ونحوهِ، فإنَّه يَغْسِلهُ كُله؛ لأنه لا يَشُقُّ غَسْلُه، فأشبهَ الثوبَ] اهـ.
ويرى فقهاء الحنفية -عدا زفر-: أنَّ الأرضَ تَطْهُر بالجفافِ دونَ حاجةٍ إلى غسلها، فلا يشترط إيراد الماء الطاهر عليها، ومن ثَم فيجوز الصلاةُ عليها إنْ أَصابتها نجاسةٌ جَفَّت وذهبَ أثرها، دونَ حاجةٍ إلى غَسلها.
قال العلامة الحَصْكَفِي في "الدر المختار" (1 / 311، ط. دار الفكر): [(و) تَطْهُر (أرض)، بخلاف نحو بساط (بيبسها) أي: جفافها ولو بريحٍ، (وذهاب أثرها، كلون)، وريح (لـ)أجل (صلاة) عليها] اهـ.
قال الإمام ابن عابدين مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: ولو بريحٍ) أشار إلى أنَّ تقييد "الهداية" وغيرها بالشمس اتِّفاقي، فإنَّه لا فرق بين الجفاف بالشمس، أو النار، أو الريح، كما في "الفتح" وغيره] اهـ.
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 85): [ولو أصابت النجاسة الأرض فجفَّت وذهب أثرها تجوز الصلاة عليها عندنا. وعند زفر: لا تجوز] اهـ.
بناءً على ما سبق: فمَن أصاب ثوبه أو بدنه نجاسة غير معفوٍّ عنها عَلِم موضعها، فيكفيهِ غَسْل موضعها، فإن لم يعلم موضعها وجبَ غسل جميع الثوبِ أو البدن الذي أصابته النجاسة.
وأَمَّا المكان فإن أصابته نجاسةٌ عَلِم موضعها فيكفي غَسْل هذا الموضع، فإن خَفِيَ موضعُ النجاسةِ؛ فإن كان المكان صغيرًا، فلا تُجزئ الصلاةُ فيه حتى يَغْسلَه كله، وإن كان المكان واسعًا فلا يجب غَسْله ويصلي حيث شاء، لأنَّ ذلك يشق عليه.
وفي واقعة السؤال: ينبغي عليكَ غَسْل جميع الثوبِ أو البدن الذي أصابته النجاسة، وأمَّا المكان فينبغي غَسْله إن كان صغيرًا، وإلَّا -بأَنْ كان كبيرًا واسعًا- فلا يجب في هذه الحالة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم إذن الإمام لإقامة الجمعة؛ فيوجد ببلدنا مسجد كان قد تهدَّم بعض جوانبه، ولكن أجرينا تصليحه، وصار مسجدًا تامًّا صالحًا لإقامة صلاة الجمعة فيه. فهل تحتاج إقامة الجمعة إلى إذْن أو لا تحتاج؟ مع العلم بأنه يوجد بالبلد مسجد آخر تقام فيه صلاة الجمعة، ولكن لا يسع المكلفين من أهل البلد. أيَّدكم الله بروح من عنده.
ما حكم القنوت في صلاة الفجر؟ حيث يوجد بجوارنا مسجدٌ والقائمون على شؤونه يمنعون قنوت الفجر؛ فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم ترك أداء صلاة التراويح في المسجد لعذر العمل؟ فأنا أعمل في مستشفى في قسم الرعاية المركزة، وأحيانًا تكون فترة مناوبتي من أول الليل حتى الصبح، وأنا أحرص منذ سنوات على أداء صلاة التراويح جماعة في المسجد؛ فهل عليَّ ذنب إذا تركتها خلال فترة مناوبتي، أم ماذا أفعل؟
فتوى شرعية في حكم صلاة الجمعة في المسجد المقام بأرض المعرض. اطلعنا على الاستيفاء المتضمن: أن بداخل أرض المعرض الزراعي بمدينة القاهرة مسجدًا تقام فيه صلاة الجمعة، إلا أنه يشترط للدخول في المعرض دفع رسم مقرر بحيث لا يسمح بدخوله لمن لم يدفعه. فهل ذلك مخل بصحة صلاة الجمعة في هذا المسجد؟
ما حكم ارتفاع مكان الإمام عن مكان المأمومين؟ فقد تم بناء مسجد بالقرية مكوَّن من دورين وتم بناء القبلة والمنبر بالدور الثاني، وبالتالي يكون الإمام في الدور الثاني والمصلون في الدور الأول والثاني، وللعلم الدور الثاني أكبر من الدور الأول، فهل يجوز صلاة الإمام في الدور الثاني؟ أم يتم هدم القبلة وإنشاء قبلة أخرى في الدور الأول؟ وإذا لم يتم ذلك هل تكون الصلاة باطلة؟
هل يجوز القراءة من المصحف أثناء الصلاة؟