هل يستحق العامل الربح في المضاربة الفاسدة؟ فهناك رجلٌ أعطى لآخر مبلغًا من المال ليستثمره على أن يكون له مِن المال مقابل ذلك 100 جنيه لكل ألفٍ من رأس المال، فقام هذا العامل بشراء بضاعة بهذا المال وسعى إلى بيعها لكن لم يحصل رِبح، والسؤال: ما حكم هذه المعاملة شرعًا؟ وما الذي يستحقه العامل على المال مقابل جُهْده وعمله مع عدم حصول الرِّبْح؟
المعاملةَ المذكورة من دفع رجل لآخر مبلغًا من المال ليستثمره على أن يكون له مِن المال مقابل ذلك 100 جنيه لكل ألفٍ من رأس المال، تُعَدُّ مضاربةً فاسدةً، وحينئذ تتحول إلى عقد إجارة، فيستحقُّ العاملُ (المضارِب) على ذلك أُجرة مثله ممن يعمل مثل عمله مما هو مُتعارف عليه بين الناس، كلُّ هذا مع مراعاة الالتزام باللوائح والقوانين المنظِّمة لمثل هذه المعاملات.
المحتويات
يُراعى في المعاملات الجارية بين الناس أن يتحقَّقَ فيها شروط العقودِ عامة، من أهلية المتعاقدين، وحصول الرضا بينهما، وانتفاءِ الغرر، وكذلك خلو المعاملة من الشروط الممنوعة شرعًا، كما جاء في الحديث الشريف أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه الترمذي وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، والدارقطني، والبيهقي.
المعاملةُ المسؤولُ عنها من بابِ المضاربةِ، ونعني بها: العقد بين الاثنين أحدُهما يُقدِّم مالًا، والآخر يَتَّجِر فيه، على أن يكون للعاملِ جزءٌ شائعٌ من الربح، ويقال لصاحب المال (ربّ المال) وللعامل (مضارِب). ينظر: "درر الحكام" لمُلا خسرو الحنفي (2/ 310، ط. دار إحياء الكتب العربية)، و"مختصر خليل" للإمام ضياء الدين خَلِيل المالكي (ص: 198، ط. دار الحديث)، و"أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زَكَريا الأنْصَاري الشافعي (2/ 380، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"منتهى الإرادات" للإمام ابن النَجَّار الحنبلي (3/ 20، ط. مؤسسة الرسالة).
المضاربةُ- جائزةٌ من حيث الجملةُ من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى وقتنا هذا من غير نكير، ونقل الإجماع على ذلك عدد من الأئمة، كالإمام ابن حَزْم في "مراتب الإجماع" (ص: 91، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 3، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام ابن رُشْد في "بداية المجتهد" (4/ 21، ط. دار الحديث).
المضاربة الواردة في صورة السؤال من دفع رجل لآخر مبلغًا من المال ليستثمره على أن يكون له مِن المال مقابل ذلك 100 جنيه لكل ألفٍ من رأس المال، هي مضاربةٌ فاسدةٌ بلا خلافٍ بين الفقهاء، وسبب الفسادِ اشتراطُ جزءٍ معلومٍ منسوبٍ إلى رأسِ المال وليس نسبةً من الربح شائعةً كالنصف والثلث والربع؛ لعدم تحقق الاستمرار في ربح مثل هذا المقدار.
قال الإمام ابن المُنْذِر في "الإجماع" (ص: 102، ط. دار المسلم): [وأجمعوا على إبطال القراض الذي يشترط أحدهما أو كلاهُما لنفسه دراهم معلومة] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البَرّ في "الاستذكار" (7/ 13): [لا أعلمُ خلافًا أنه إذا اشترطَ العاملُ أو ربُّ المالِ على صاحبه شيئًا يختصُّ به من الربح معلومًا دينارًا أو درهمًا أو نحوَ ذلك ثم يكون الباقي في الربح بينهما نصفين أو على ثلثٍ أو ربعٍ؛ فإنَّ ذلك لا يجوز لأنه يَصيرُ النصيبُ لتلك الزيادة مجهولًا، ولا يجوز عند جميعهم ذلك؛ لأن الأصل في القِراض ألا يجوز إلا على نصيبٍ معلوم] اهـ.
إذا فسدت المضاربة بسبب كون الربح للعامل مبلغًا ثابتًا محدَّدًا، ولم يكن هناك ربح بعدُ فإنَّ العلماء قد اختلفوا في استحقاق العامل شيئًا مِن المال على أقوال عديدة ويمكن إجمالها في قولين:
الأول: أنَّ المضارب (العامل) يستحق أجرة المثل على كل حال ربحت المضاربة أو لم تربح، وهو ما ذهب إليه الإمام محمد بن الحسن من الحنفية، وهو أيضًا ظاهر الرواية عندهم، والمالكية، والشافعية في معتمد المذهب، والحنابلة؛ وذلك لأنَّ المُضاربةَ إذا فَسَدَت تَحَوَّلَت إلى إجارة، فيكون الربح فيها لربِّ المال والخسارة عليه، والعاملُ أصبحَ أجيرًا، والأجيرُ إن لم تكن له أُجرة مُسماة فإنَّ له أُجرة المثل؛ لأنه عمل طامعًا في المسمى، فإذا فات وجب رد عمله عليه، وهو متعذر فتجب قيمته وهي الأجرة.
قال الإمام أبو بكر الحدَّادِي الحنفي في "الجوهرة النيرة" (1/ 292، ط. المطبعة الخيرية): [وقال محمدٌ: له الأجر رَبِحَ أو لم يَرْبح؛ لأنها إذا فسدت صارت إجارة، والإجارة يجب فيها الأجر ربحَ أو لم يربح] اهـ. وهو ظاهر الرواية كما في "رد المحتار" للإمام ابن عابدين (5/ 646، ط. دار الفكر).
وقال العلامة خليل المالكي في "مختصره" (ص: 198، ط. دار الحديث) عند بيان ما يترتب على فساد المضاربة من استحقاق العامل أجرة المثل ربح أو لم يربح: [ثم قراض مثله في ربحه: كلَكَ شِركٌ، ولا عادة أو مبهم أو أجل أو ضمن أو اشتر سلعة فلان ثم اتجر في ثمنها أو بدين أو ما يقل وجوده: كاختلافهما في الربح وادَّعَيَا ما لا يشبه وفيما فسد غيره: أجرة مثله في الذمة: كاشتراط يده أو مراجعته أو أمينًا عليه بخلاف غلام غير عين بنصيب له] اهـ.
وقال الإمام ابن رشد المالكي في "بداية المجتهد" (4/ 27، ط. دار الحديث) : [كل قراض فاسد ففيه أجرة المثل إلَّا تلك التي نص فيها قراض المثل وهي سبعة: القراض بالعروض، والقراض بالضمان، والقراض إلى أجل، والقراض المبهم، وإذا قال له اعمل على أن لك في المال شركاء، وإذا اختلف المتقارضان، وأتيا بما لا يشبه فحلفا على دعواهما، وإذا دفع إليه المال على أن لا يشتري به إلا بالدين فاشترى بالنقد، أو على أن لا يشتري إلا سلعة كذا وكذا والسلعة غير موجودة فاشترى غير ما أمر به] اهـ.
وفساد المضاربة لتحديد الربح للعامل بمبلغ ثابت كما في صورة السؤال خارج عن الصور السبعة المذكورة، فيكون الواجب فيها حينئذ أجر المثل.
وقال الإمام شَرَف الدين النَّوَوي الشافعي في "روضة الطالبين" (4/ 205، ط. دار الكتب العلمية): [إذا فسد القِراض بتخلف بعض الشروط، فله ثلاثة أحكام... الثالث: استحقاق العامل أجرة مثل عمله، سواء كان في المال ربح، أم لا] اهـ.
وقال الإمام موفق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي في "الشرح الكبير" (5/ 136، ط. دار الكتاب العربي): [فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط فلم يستحق به شيئًا ولكن له أجر مثله، نص عليه أحمد، وهو مذهب الشافعي] اهـ.
والثاني: أنَّ المضارب لا يستحق الأجرة على المضاربة الفاسدة إلا إذا ربحت، فيكون له أجرة المثل، وذلك لأن المضاربة الفاسدة أدنى من الصحيحة، ولا أجره للعامل في المضاربة الصحيحة إذا لم تربح، فكذلك لا تكون في الفاسدة من باب أولى، وهذا ما ذهب إليه الإمام أبو يوسف من الحنفية، وهو قولٌ في مذهب الشافعية.
قال الإمام أبو بكر الحدَّادِي الحنفي في "الجوهرة النيرة" (1/ 292): [وعن أبي يوسف: أنه إذا لم يربح لا أجر له؛ لأن المضاربة الفاسدة لا تكون أقوى من الصحيحة، ومعلوم أن المضارب في الصحيحة إذا لم يربح لم يستحق شيئًا ففي الفاسدة أولى] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الخَطِيب الشِّرْبِيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 315، ط. دار الفكر): [وقيل: لا يستحق أجرة عند عدم الربح، وهو القياس لأن القِراض الصحيح لا يستحق فيه شيئًا عند عدم الربح] اهـ.
والمختار للفتوى: أنَّ المضاربة إذا فسدت بسبب كون الربح للعامل مبلغًا ثابتًا محددًا، تحولت إلى عقد إجارة على قول جمهور الفقهاء، فيأخذ العامل أجرة على عمله من ربِّ المال، وفقَ المتعارف عليه لمثله في مثل ذلك المال؛ وذلك منعًا من ضياع جهده "لأنه لم يعمل مجانًا، وقد فاتَه المُسمى، فيرجع لأجرة المثل"، كما يقول الإمام برهان الدين الباجوري في "حاشيته على شرح ابن قاسم" (2/ 23، ط. مصطفى الحلبي)، و"لأن المضاربةَ الفاسدة في معنى الإجارة الفاسدة، والأجير لا يستحق النفقة ولا المسمى في الإجارة الفاسدة، وإنما يستحق أجر المثل"، كما يقول الإمام علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (6/ 108)، و"لأن العامل يعمل في المال على جزء مما يربح فيه إن كان فيه ربح... فإذا وقع على خلاف ذلك فليس بقِراض وإن سمياه قِراضًا، وإنما هو إجارة فاسدة فيرد فيها إلى إجارة مثله" كما يقول الإمام ابن رُشْد الجد في "المقدمات" (3/ 13، ط. دار الغرب الإسلامي).
بناءً عليه وفي واقعة السؤال: فإنَّ المعاملةَ المذكورة من دفع رجل لآخر مبلغًا من المال ليستثمره على أن يكون له مِن المال مقابل ذلك 100 جنيه لكل ألفٍ من رأس المال، تُعَدُّ مضاربةً فاسدةً، وحينئذٍ تتحول إلى عقد إجارة، فيستحقُّ العاملُ (المضارِب) على ذلك أُجرة مثله ممن يعمل مثل عمله مما هو مُتعارف عليه بين الناس، كلُّ هذا مع مراعاة الالتزام باللوائح والقوانين المنظِّمة لمثل هذه المعاملات.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل السمسرة حرام أم حلال لكي أنتهي؟ ولو كانت حلالًا فما هو النصاب الشرعي في ذلك؟ أي ما هي نسبة ما أتقاضاه نظير عمولتي على ذلك؟ لأنني أريد أن أتحرى الحلال في كل أعمالي وأموالي. ولأنني اختلفت مع العملاء في النسبة، فما هو نصيبي في بيع 60 مترًا بسعر المتر 400 جنيه بمبلغ إجمالي 24000 جنيه؟
ما حكم الاستيلاء على المال العام؟ وما حكم الإدلاء ببيانات ومعلومات خاطئة للتحايل على القانون والقرارات المنظمة للحصول على المساعدات النقدية والعينية المقدمة من وزارة التضامن الاجتماعي للأسر والأفراد الفقيرة والأكثر فقرًا من الأيتام والأرامل والمرأة المعيلة والمسنين وذوي الإعاقة، مما يؤدي إلى حرمان المستحقين من الأسر المهمَّشة للحصول على حقوقهم كاملة؟
ما حكم اشتراط جميع الربح للمضارِب؟ فرجلٌ أعطى لآخرَ مبلغًا من المال ليتجر فيه مضارَبَةً، ونظرًا لقرب العلاقات بينهما والظروف المالية التي يمر بها هذا الآخَر (المُضَارِب)، اشترط عليه الرجلُ صاحبُ المال أن يكون جميع الربح له (للمُضَارِب)، واتفَقَا على ذلك وتراضَيَا عليه، فهل تصح هذه المعاملة شرعًا؟
كانت والدتي رحمها الله تحصل على معاش ثابت بعد إحالتها إلى التقاعد، وكانت تحصل عليه من البنك عن طريق ماكينة الصراف الآلي بواسطة البطاقة الممغنطة، وعندما توفيت قمت بإخطار هيئة التأمين والمعاشات وذلك بإرسال صورة من شهادة الوفاة إلى الهيئة، وبعد ذلك بفترة اكتشفت أن مبلغ المعاش ما زال يصرف ويوضع في حساب والدتي في البنك، فقمت بسحب المبلغ الموجود. فهل من حقي أخذ هذه النقود مع العلم بأني أمر بضائقة مالية وفي أمسِّ الحاجة إلى هذا المال؟ وما حكم المبالغ التي حصلت عليها من قبل وقمت بالتصرف فيها؟
ما حكم تكسب العامل من وراء وظيفته التي يأخذ مرتبه عليها؟ فأنا أمتلك شركة تعمل بنظام التسويق الهاتفي، حيث تقوم موظفات بالاتصال بالعملاء على أرقام هواتفهم، ويقمن بشرح خدمات الشركة لأولئك العملاء والاتفاق معهم على ما يريدونه في موعد محدد وبمبلغ محدد. ويذهب فريق عمل من موظفين لتنفيذ العمل في منزل العميل، وبعدها يقوم الفريق بتحصيل المقابل المادي من العميل، إلا أننا تنبهنا إلى أن بعض هؤلاء الموظفين يطالب العميل بمبالغ زائدة عن حقيقة المطلوب تحصيله، ويقوم بالادعاء كذبًا أمام العميل أن الأسعار أعلى قيمة، ولسذاجة بعض العملاء وحسن ظنهم بالشركة يقومون بتسليم الموظفين ما يريدونه، إلا أن هؤلاء الشباب يقومون بمحاسبة الشركة عن المبلغ المطلوب منهم تحصيله فقط ويقومون بتوزيع الفرق عليهم ولا يُخطرون الشركة بذلك، ويَدَّعُون أنهم أعطوا الشركة حقها. فهل يجوز هذا العمل شرعًا؟
ما حكم بيع الأدوية المغشوشة؟