حكم سداد الورثة دينًا ادّعاه رجلٌ على الميت

تاريخ الفتوى: 02 فبراير 2025 م
رقم الفتوى: 8556
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الميراث
حكم سداد الورثة دينًا ادّعاه رجلٌ على الميت

ما حكم سداد الورثة دينًا ادّعاه رجلٌ على الميت؟ فأخو صديقي متوفًّى، وادَّعى رجلٌ من غير بينة أنَّ له دينًا عليه.

دعوى الدين على الميت لا تقبل إلَّا ببينة المدَّعي، ويُحلف يمين الاستبراء إن وصل الأمر إلى القضاء، فإذا لم تقم البَيِّنَة ولم يقر الورثة بالدَّيْنِ؛ فلا يلزمهم شيء، فإن ادَّعَى عليهم العلم بالدَّيْن ولم يقروا به لزمهم الحلف على عدم العلم، ولا يلزمهم شيء حينئذ، وإن رفضوا الحلف ثبت له الدَّيْن ووجب عليهم قضاؤه، وأما إذا لم تقم البَيِّنَة وأقر الورثة بالدَّيْن فيجب عليهم قضاؤه لصاحبه ما لم يكن قد استوفاه من قبل بأي صورة من الصور.

المحتويات

 

حث الشرع الشريف على الاهتمام بقضاء الدين قبل الموت

من المقرر شرعًا أنَّ الديون المالية مِن أهم الحقوق التي يجب الوفاء والالتزام بها، فلا تزال ذمة الـمَدِين مشغولة بالدَّيْن حتى بعد موته، ولذا حَثَّت الأدلة الشرعيَّة على الاهتمام بقضاء الدَّيْن والتَّخَلُّص منه قبل الموت أو أن يبرئه الدائن؛ فأخرج الإمام أحمد في "المسند" والترمذي وابن ماجه في "السنن" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ».

قال المجد ابن الأثير في "الشافي في شرح مسند الإمام الشافعي" (2/ 433، ط. مكتبة الرشد): [قوله: «معلقة بدينه» يريد أنها تطالبه بما تخلف عليه من الدَّيْن، ومؤاخذة به في الآخرة بعد الموت إلى أن يُوَفَّى ما عليه من الدَّيْن] اهـ.

بيان وجوب الوفاء بالدين إذا كان للميت تركة وثَبَتَ هذا الدَّيْن عليه بالبَيِّنَة

وجوب الوفاء والالتزام بالدَّيْن على الميت إنما يكون إذا ما كان للميت تركة وثَبَتَ هذا الدَّيْن عليه بالبَيِّنَة؛ فإنه حينئذٍ يُقضى من تركة الميت ما لم يصل إلى القضاء؛ فإن وصل لزم المدَّعي -صاحب الدَّيْن- أن يَحْلِفَ يمين الاستبراء بأنَّه ما استوفى هذا الدَّيْن من الميت بأي صورة من الصور على مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، ولا يلزم الحلف وجوبًا عند الحنابلة، وإنما يحلف احتياطًا.

قال الإمام برهان الدين بن مَازَه الحنفي في "المحيط البرهاني" (8/ 141، ط. دار الكتب العلمية): [نقولُ فيمن ادَّعى دينًا على ميت وأقام البينة: إن القاضي يحلِّفه بالله بما استوفيت هذا الدَّيْن ولا أبرأته منه؛ لأنَّ الميت عاجز عن النظر لنفسه بنفسه، فينظر له القاضي بالاستحلاف، وإذا استحلفه يحلف بالله ما قبضت هذا المال من هذا المدعى عليه، ولا يعلم أن رسولك أو وكيلك قبض هذا المال منه، ولا أبرأته ولا أحلته به على أحد، ولا اغتصبت مثله من جنسه ولا اغتصبت به؛ لأنَّ الواحد من هذا لا تحصل براءة المدعى عليه، فيحلفه على جميع ذلك على الثبات] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي في فقه أهل المدينة" (2/ 915، ط. مكتبة الرياض): [مَن ادَّعى على ميت دينًا وأقام بينة لم يقض له حتى يحلف أنه ما قبض منه شيئًا، ولا أبرأ، ولا وهب، هذا احتياط للميت] اهـ.

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "التنبيه" (ص: 255-256، ط. دار عالم الكتب): [وإن ادَّعى على ميت أو غائب أو صبي أو مستتر في البلد وله بَيِّنَة؛ سمعها الحاكم، وحكم بها، وأحلف المُدَّعِي أنه لم يبرأ إليه ولا من شيء منه] اهـ.

وقال الإمام شرف الدين الـحَجَّاوي الحنبلي في "الإقناع" (4/ 403، ط. دار المعرفة): [وإن ادَّعى على غائب مسافة قصر... أو ميت... بلا بينة؛ لم تسمع دعواه ولم يحكم له، وإن كان له بينة سمعها الحاكم وحكم بها في حقوق الآدميين... ولا يلزم المدعي أن يحلف أن حقه باقٍ والاحتياط تحليفه خصوصًا في هذه الأزمنة] اهـ.

ويمين القضاء أو الاستبراء المذكورة في كلام الفقهاء هي يمينٌ يوجهها القاضي للمُدَّعِي بعد إثباته لدعواه بدليلٍ كاملٍ استظهارًا للحقيقة في الدعاوى على الغائب، ويكون الغرض منها أن يتأكد القاضي أن المُدَّعِي -صاحب الدَّين- لم يستوف الدَّيْنَ الذي له على المدعى عليه الغائب أو الميت ، ولم يبرئه منه، وتسمى يمين الاستظهار أيضًا، كما قَرَّره الإمام بدر الدين الزركشي في "المنثور في القواعد" (3/ 381، ط. وزارة الأوقاف الكويتية)، وكذا الإمام الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (6/ 310، ط. دار الكتب العلمية)، والشيخ محمد ميارة في "الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام" (1/ 100، ط. دار المعرفة)، وهو ما أفادته أيضًا "مجلة الأحكام العدلية" (ص: 354، ط. نور محمد)، وبَسَطَه شرحًا العَلَّامة السنهوري في "الوسيط" (11/ 592-593، ط. دار إحياء التراث).

حكم سداد الورثة دينًا ادّعاه رجلٌ على الميت وليس معه بينة

أمَّا إذا تُوفي الرَّجُل وتركَ خَلْفَهُ إرْثًا، وادَّعَى رجلٌ على الورثة أنَّ له دينًا على هذا الميت، وكان هذا الدَّيْنُ مُحتمل الثبوت عقلًا وعرفًا، معلومًا متميزًا، ولم يكن مع المُدَّعِي -صاحب الدَّيْن- بينة، ولم يعلم الورثة بهذا الدَّيْن؛ فإنَّه لا يلزم الورثة شيء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى المدعى عليه". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللفظ لمسلم.

قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (12/ 3، ط. دار إحياء التراث العربي): [وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع، ففيه أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك، وقد بَيَّن صلى الله عليه وآله وسَلَّم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه؛ لأنَّه لو كان أعطي بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واستبيح، ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه، وأما المُدَّعِي فيمكنه صيانتهما بالبَيِّنَة] اهـ.

ولأنَّه لو كان القول قولَ المدَّعِي -صاحب الدَّيْن- من غير بينة لما احتيج إلى البَيِّنَة من الكتابة والإملاء والإشهاد عليه ونحوه، فلما احتيج إليه دل على أن البَيِّنَة لازمة على المدَّعِي -صاحب الدَّيْن-. ينظر: "الكواكب الدراري" للكرماني (11/ 158، ط. دار إحياء التراث العربي).

وأَمَّا إن ادَّعى -صاحب الدَّيْن- على الورثة العلم بهذا الدَّيْن، وأنكروا، لزمهم الحلف على عدم العلم بهذا الدين، فإن حلفوا لم يثبت له الدَّيْن، وإن رفضوا ثبت له.

قال الإمام حسام الدين الشهيد الحنفي في "شرح أدب القاضي" (ص: 164، ط. دار الكتب العلمية) وهو يتحدث عما لو ادَّعى شخص على ورثةِ ميت أنه له عليه دينٌ ولا بَيِّنَة له وأنكر الوارث العلم بالدَّين: [(فإن لم يكن له بيّنة وأراد استحلافه، حلفه بالله ما تعلم لفلان هذا على أبيك هذا المال ولا شيئًا منه، فإن حلف تم الكلام، وإن نكل ثبت المال بنكوله)] اهـ.

وقال الإمام الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (4/ 229، ط. دار الفكر) وهو يتحدث عما لو ادَّعى شخص على ورثةِ ميت أنه له عليه دينٌ ولا بَيِّنَة له: [وإن لم يعلموا به حلفوا على عدم العلم إن ادَّعَى عليهم العلم، وإلَّا فلا] اهـ.

وقال الإمام محيي السنة البغوي الشافعي في "التهذيب" (8/ 248، ط. دار الكتب العلمية): [ولو ادَّعَى على ميت  دينًا فقال: لي في ذِمَّةِ أبيك ألف درهم، لا يسمع، حتى يقول: وأنت تعلم، والتركة في يدك يلزمك أداؤها منها؛ فإذا أنكر الوارث، حلف على نفي العلم؛ فيقول: لا أعلم أن لك في ذمة أبي كذا] اهـ.

وقال الإمام أبو السَّعَادات البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (15/ 159، ط. وزارة العدل السعودية): [ادَّعى على (ميت، أو صغير، أو مجنون، بلا بينة؛ لم تُسمع دعواه) لأنَّه لا فائدة فيها (ولم يحكم له) بما ادَّعاه؛ لحديث: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ"] اهـ.

أَمَّا إذا علم الورثة بهذا الدَّيْن وأقروا به؛ فيجب عليهم قضاؤه لصاحبه ما لم يكن قد استوفاه من قبل بأي صورة من الصور.

قال الإمام الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (4/ 317، ط. دار المعارف): [وأما لو ادعى شخص على ورثة ميت أن له عليه دينًا ولابينة له به فالحكم أنهم إن علموا به وجب عليهم قضاؤه من تركته بعد يمين القضاء من رب الدَّيْن أن حقه باق إلى الآن] اهـ.

الخلاصة

بناء عليه وفي واقعة السؤال: فإنَّ دَعْوَى الدَّيْن على الميت لا تقبل إلَّا ببينة المدَّعي، مع يمين الاستبراء إن وصل الأمر إلى القضاء، فإذا لم تقم البَيِّنَة ولم يقر الورثة بالدَّيْنِ؛ لا يلزمهم شيء، فإن ادَّعَى عليهم العلم بالدَّيْن ولم يقروا به لزمهم الحلف على عدم العلم، ولا يلزمهم شيء حينئذ، وإن رفضوا الحلف ثبت له الدَّيْن ووجب عليهم قضاؤه، وأما إذا لم تقم البَيِّنَة وأقرالورثة بالدَّيْن فيجب عليهم قضاؤه لصاحبه ما لم يكن قد استوفاه من قبل بأي صورة من الصور.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما أثر نماء التركة على أنصبة الورثة؟ فقد توفيت عمتي عام 1984م، وتركت أباها وأولادها، وعندما كُتِبَ إعلام الوراثة لم يذكر فيه الأب، بل إنه لم يعلم بوفاتها حتى توفي ولم يأخذ حقه في ترِكتها الذي هو السدس؛ حيث مات بعدها بنحو أربعين يومًا تاركًا فقط ابنه وأولاد هذه البنت التي لم يأخذ حقه في ميراثها. والآن يطالب أبي بحقه في ميراثه في أبيه، حيث إن ترِكة عمتي هذه كانت قطعة أرض مقامًا عليها عقار، وكذا محل تجاري للمأكولات، وقد نمت هذه التركة من إيراد هذا المحل حتى نتجت منه سلسة محلات كثيرة وكبيرة الاسم والصيت في أنحاء مصر، ولم يختلف ورثة عمتي مع أبي في أن له حقًّا في الميراث عن طريق والده، إلا أنهم يريدون حساب هذا الحق من أصل التركة دون زيادة. فهل هذا هو حقه فقط، أم أن نصيبه يُحسَب من مجموع أصل التركة ونمائها على مدار السنوات كلها؟


توفي رجل سنة 1952م عن زوجة، وابن، وبنتين، وبنت بنت متوفاة قبله سنة 1944م فقط.
ثم توفيت زوجته سنة 1957م عن باقي المذكورين. وطلبت السائلة الإفادة عن نصيب كل وارث ومستحق للمتوفيين المذكورين.


توفي رجل بتاريخ 4/ 2/ 1980م عن والده، وعن والدته، وعن مطلَّقة على الإبراء بتاريخ 5/ 12/ 1979م، وقد تضمنت الصورة الضوئية من إشهاد الطلاق عمليةَ المأذون المختص؛ أن ذلك الرجل طلَّق زوجته طلقة على الإبراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة بتاريخ 5 ديسمبر سنة 1979م، وطلب السائل الإفادة عمَّن يرث ومن لا يرث ونصيب كل وارث؟ وهل الزوجة المطلقة على الإبراء ترث مُطلِّقها أم لا؟


هل تعتبر الشقة المؤجرة من التركة؟ حيث يقول السائل إن والدته كانت تسكن في شقةٍ بالإيجار، وكان يقيم معها هو وزوجته وأولاده قبل وفاة والدته بثلاث عشرة سنة. ويسأل: هل هذه الشقة تعتبر من التركة؟


توفي رجل عن: زوجة، وأربعة أبناء ابن. ولم يترك المتوفى المذكور أي وارث آخر غير من ذكروا ولا فرع يستحق وصية واجبة. فما نصيب كل وارث؟


ما حكم ميراث الزوجة المتوفى عنها زوجها قبل الدخول وحقها في المهر والهدايا؟ فقد ورد سؤال نصه كالتالي:
سائل تزوج ابنه من فتاة، وتوفي دون أن يدخل بها ولم يختلِ بها، ودفع مقدم الصداق كما قدم شبكة وهدايا.
وطلب السائل بيان: هل ترث الزوجة زوجها المذكور؟ وهل مقدم الصداق ومؤخره من حقها؟ وهل الشبكة والهدايا قد أصبحت من حقها؟ وهل ترث في تركة زوجها من أثاث وملابس ومقتنيات خاصة وكتب وخلافه؟ وهل ترث في الهدايا التي اشتراها لشقيقاته والتي عثر عليها في حقائبه بعد الوفاة وتضمنها محضر حصر التركة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57