هل يجوز الجمع بين الصلوات جمع تقديم مع قصر الرباعية منها قبل الخروج من أسوار البيت أو المكان الذي سأخْرُج منه وأرحل عند السفر؟ وهل يجوز الجمعَ في الحضر من غير قصر بسبب حاجة؟
يجوز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر أو المغرب والعشاء مع قصر الرباعية منها إذا كانت مسافة سفره لا تقلّ عن ثلاثة وثمانين كيلومترًا ونصف الكيلومتر تقريبًا، وليس لمَن عزم على السفر أن يترخّص بذلك قَبْل أن يَخْرُج عن حدود المدينة التي يقيم فيها، ويراعي دخول وقت الصلاة الأُولى من المجموعَتَين بعد مجاوزة هذه الحدود.
ومَن عَرَضت له حاجةٌ للجمع بين الصلاتين -كمرضٍ أو مشقةٍ تقتضي الجمع- جاز له شرعًا الأخذ برأي مَن أجازالجمعَ في الحضر من غير قصر الصلاة؛ سواء قَصَد الخروج للسفر أو لم يقصده، مع مراعاة عدم اتخاذ ذلك عادةً له.
المحتويات
الإسلام دين يسر ورحمة للعالمين؛ حيث تضمَّنت شريعته السمحاء الكثير من الرُّخَص والتخفيفات على المكلفين لرفع الحرج عنهم، وكان من القواعد الخمس الكبرى التي عليها مدار الفقه الإسلامي: أنّ "المشقة تجلب التيسير"، و"السفر مَظنَّةٌ للتخفيف"؛ ولذا جاز قَصْرُ الصلوات المكتوبة وجَمْعُها للمسافر؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ» متفقٌ عليه.
ويُشْتَرَط في السفر الذي تترتَّب عليه رخصة الجمع والقصر أن يكون سَفَرًا طويلًا بحيث لا يقلّ عن مرحلتين، وتُقَدَّران بنحو (ثلاثة وثمانين كيلومترًا ونصف الكيلومتر تقريبًا)؛ وذلك على المفتى به.
تُحسَب مسافة السفر الذي يجوز التَّرخُّص بسببه من حدود المدينة؛ كبوَّابتها، أو ما يُعرَف بـ"الكارتة" عند مَدْخل المدينة ومَخْرَجِها، وما شابه ذلك مما يُعْرَف به الحدود الجغرافية للبلاد والمُدُن، وهو ما عبَّر عنه الفقهاء السابقون بـ"مجاوزة العمران"، أو "مجاوزة سور البلدة"، ولا تحسب المسافة بدايةً من بيت المسافر كما قد يَظُنُّ بعض الناس.
ومناط ذلك: تَحقُّق معنى السَّفَر الذي بُنِيَت الأحكام الشرعية عليه، أي إنَّ هاهنا أمرين: إرادة السفر، وتحقق المكلَّف بكونه مسافرًا بالفعل، والأخير هو مناط تطبيق أحكام السفر عليه، ومنها بدء حساب مسافة السفر.
وقد نَقَلَ الإمام ابن المنذر الإجماع على ذلك، فقال في "الإشراف على مذاهب العلماء" (2/ 204، ط. مكتبة مكة الثقافية): [أجمع أهل العلم مِن كُلِّ مَن نحفظ عنه على أنَّ الذي يريد السفر أن يَقصُر الصلاة إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي منها يخرج] اهـ.
وقال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 93، ط. دار الكتب العلمية): [وأمَّا بيان ما يصير به المقيم مسافرًا: فالذي يصير المقيم به مسافرًا: نية مدة السفر، والخروج من عمران المصر] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 347، ط. دار الفكر): [فإذا فارق السور ترخص بالقصر وغيره بمجرد مفارقته] اهـ.
نُقل عن بعض السلف من الكوفيين جواز التَّرخُّص في السفر قبل الشروع فيه ولو من منزله.
قال شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (2/ 569، ط. دار المعرفة): [قال ابن المنذر: أجمعوا على أنَّ لمن يريد السفر أن يَقصُرَ إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها. واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت، فذهب الجمهور إلى أنَّه لا بد من مفارقة جميع البيوت، وذهب بعض الكوفيين إلى أنَّه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله، ومنهم مَن قال: إذا ركب قصر إن شاء، ورجَّح ابنُ المنذر الأولَ بأنهم اتفقوا على أنَّه يَقصُرُ إذا فارق البيوت واختلفوا فيما قبل ذلك؛ فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يَثبُتَ أنّ له القصر. قال -أي ابن المنذر-: ولا أعلم أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة] اهـ.
وممَّن قال بهذا المذهب الحارث بن أبي ربيعة، والأسود بن يزيد، وغير واحد من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه، وبمعناه قال عطاء وسليمان بن موسى.
وقد رَدَّ الإمام النووي في "المجموع" رأي مَن أجاز من الكوفيين الترخص قبل الشروع في السفر؛ وذلك لمخالفة الترخّص قبل الشروع في السفر اسمَ السفر ومعناه، ولمخالفة هذا الرأي الأحاديثَ الصحيحةَ وإجماعَ جمهور الفقهاء على عدم الترخص قبل مجاوزة العمران؛ فقال في "المجموع" (4/ 349، ط. دار الفكر): [إذا فارق بنيان البلد قَصَرَ، ولا يَقصُرُ قبل مفارقتها وإن فارق منزله، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء، وحكى ابن المنذر عن الحارث بن أبي ربيعة أنَّه أراد سفرًا فصلى بهم ركعتين في منزله وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه، قال: وروينا معناه عن عطاء وسليمان بن موسى.. وعن عطاء أنه قال: إذا جاوز حيطان داره فله القصر.. ومذهب عطاء وموافقيه مُنَابِذٌ لاسم السفر] اهـ.
يجوز الأخذ بإجازة الفقهاء -كالمالكية والحنابلة وبعض الشافعية- الجمعَ في الحضر دون قصر الصلاة؛ وذلك لعلة المرض، أو المطر، أو الظلمة، أو الخوف، أو المشقة، ونحوها، ومنهم من أجاز الجمع من غير قصرٍ بغير سببٍ، لكن بشرط ألَّا يصير الجمعُ عادةً للمصلي.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ» فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ"، وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: "أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ" أخرجه مسلم.
يقول الإمام النووي في "المجموع" (4/ 383-384): [قال الرافعي: قال مالك وأحمد: يجوز الجمع بعذر المرض والوَحَلِ. وبه قال بعض أصحابنا؛ منهم أبو سليمان الخطابي، والقاضي حسين، واستحسنه الروياني في "الحلية". قلت: وهذا الوجه قويٌّ جدًّا، ويستدل له بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة من غير خوفٍ ولا مطر» رواه مسلم كما سبق بيانه، ووجه الدلالة منه: أنَّ هذا الجمع إما أن يكون بالمرض، وإما بغيره ممَّا في معناه أو دونه، ولأنَّ حاجة المريض والخائف آكد من المَمطُورِ. وقال ابن المنذر من أصحابنا: يجوز الجمع في الحضر من غير خوفٍ ولا مطرٍ ولا مرض، وحكاه الخطابي في "معالم السنن" عن القفال الكبير الشاشي، عن أبي إسحاق المروزي، قال الخطابي: وهو قول جماعة من أصحاب الحديث؛ لظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنهما] اهـ.
وقال الإمام ابن جزي المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 57): [يجوز الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، لأسبابٍ وهي: بعرفة والمزدلفة اتفاقًا وذلك سنةٌ، وللسفر والمطر خلافًا لأبي حنيفة فيهما، وللمرض خلافًا لهما، وللخوف بخلافٍ في المذهب، وأجاز الظاهرية وأشهب الجمع بغير سبب] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 205، ط. مكتبة القاهرة): [ولا يجوز الجمع لغير مَنْ ذكرنا، وقال ابن شبرمة: يجوز إذا كانت حاجة أو شيء، ما لم يتَّخذه عادة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما] اهـ.
أمَّا عن الوقت الذي يجوز فيه الجمع؛ فقد اختلف الفقهاء في ذلك:
فقدَّم المالكيةُ التقديمَ على التأخير؛ وذلك لأنَّه إذ زال عنه العذر في وقت الثانية وجب عليه إعادتها؛ قال الإمام ميارة المالكي في "الدر الثمين" (ص: 296، ط. دار الحديث): [وأمَّا الجمع للمرض: فقال في "المدونة": قال مالك: إذا خاف المريض أن يغلب على عقله جمع بين الظهر والعصر إذا زالت الشمس لا قبل ذلك وبين العشاءين عند الغروب] اهـ.
وأما الحنابلة فقالوا بأَنَّ الأفضل في حالة الجمع أن يفعل المصلي الأرفق بنفسه، سواء كان هو التقديم أو التأخير، لكن لو استوى الأمران بالنسبة له فلم يكن أحدهما أرفق من الآخر فالأفضل مطلقًا التأخيرُ، إلا في حالة الجمع في عرفة فالأفضل التقديم، وحالة الجمع بالمزدلفة فالأفضل التأخير؛ قال الإمام البهوتي الحنبلي في "دقائق أولي النهى" (1/ 299، ط. عالم الكتب): [(والأفضل) لمَن يجمع (فعل الأرفق به من تأخير) الظهر إلى وقت العصر، أو المغرب إلى العشاء (أو تقديم) أي: تقديم العصر وقت الظهر، أو العشاء وقت المغرب؛ لحديث معاذ السابق (سوى جمعي عرفة ومزدلفة إن عدم) الأرفق فيهما، فالأفضل بعرفة التقديم مطلقًا، وبمزدلفة التأخير مطلقًا؛ لفعله صلى الله عليه وآله وسلم فيهما، (فإن استويا) أي: التقديم والتأخير في الأرفقية (فتأخيرٌ أفضل)؛ لأنه أحوط، وخروجًا من الخلاف (سوى جمع عرفة) فالتقديم فيه مطلقًا أفضل؛ اتباعًا لفعله صلى الله عليه وآله وسلم]اهـ.
بناءً على ما سبق: فالمسافة المُعْتَبَرة للترخص بالجمع بين صلاتي الظهر والعصر أو المغرب والعشاء مع قصر الرباعية منها هي ثلاثة وثمانون كيلومترًا ونصف الكيلومتر تقريبًا، وليس لمَن عزم على السفر أن يترخّص بذلك قَبْل أن يَخْرُج عن حدود المدينة التي يقيم فيها، ويراعي دخول وقت الصلاة الأُولى من المجموعَتَين بعد مجاوزة هذه الحدود، فمَن عَرَضت له حاجةٌ للجمع بين الصلاتين -كمرضٍ أو حاجةٍ أو مشقةٍ تقتضي الجمع- جاز له شرعًا الأخذ برأي مَن أجاز الجمع في الحضر من غير قصر الصلاة؛ سواء قَصَد الخروج للسفر أو لم يقصده، فيجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وكذا بين صلاتي المغرب والعشاء، من غير قصرٍ، جمع تقديمٍ في وقت الأُولى منهما، أو جمع تأخيرٍ في وقت الثانية؛ وذلك بحسب الأرفق له، مع مراعاة عدم اتخاذ ذلك عادةً له.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
أيهما أفضل الصلاة في أول وقتها منفردا أم في آخر وقتها جماعة؟ فهناك مجموعة من الرجال يعملون في مزرعة بعيدة عن العُمران، ويسأل أحدهم: حين يدخل وقت الصلاة وأريد أن أصلي في أول الوقت في جماعة، يطلب مني زملائي في العمل الانتظار لمدة من الزمن حتى يفرَغوا مما في أيديهم ونصلي معًا في جماعة، فأيُّ الأمرين أفضل لي ثوابًا وأقرب امتثالًا لأمر الله عَزَّ وَجَلَّ بإقامة الصلاة والمحافظة عليها: الصلاةُ منفردًا في أول الوقت، أم انتظار الجماعة وإن تأخَّرَت عن أول الوقت؟
ما كيفية إحياء ليلة النصف من شعبان؟ وما الذي على المسلم فعله لإحياء هذه الليلة المباركة؟
يقول السائل: والدي مريضٌ طاعنٌ في السن، ولا يستطيع التحرّك، ونساعده على القيام والجلوس؛ فما الكيفية الشرعية الصحيحة لأداء الصلاة في حقه؟
ما حكم صلاة الفريضة على الكرسي؟ حيث يقول السائل: إن ظاهرة صلاة الفريضة جماعة في المسجد على الكرسي هي من الأمور المحدثة التي تفتقد الشرط الثاني للعبادة، وهو الموافقة للشرع وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإن ظهور بعض الفتاوى بصحَّة صلاة الجماعة على الكرسي، مستندةً إلى حديث صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسافرًا على الدابة لصلاة النافلة، وليس الفريضة، في حين أن هذا لا ينطبق على صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا نفلًا ولا فرضًا ولا مقيمًا ولا مسافرًا، فلم يثبت عنه ذلك الأمر ألبتة، كل ذلك دفعني إلى أن أبيِّن أدلة عدم صحة الصلاة للجالس على الكرسي؛ فالكرسي كان موجودًا فعلًا في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كرسي يستعمله في غير الصلاة، ولم يستعملْه ألبتة هو وأصحابه في الصلاة حال الصحَّة أو المرض ولا في الفريضة ولا في النافلة ولا في السفر ولا في الحضر، وحين مرض الرسول مرضًا شديدًا أعجزه عن الصلاة قائمًا قَعَدَ على الأرض ولم يجلسْ على كرسي أو غيره، وثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى النافلة مسافرًا على الدابة، فإذا حضرت الفريضة نَزَلَ واستقبل القبلة وصلَّى قائمًا، ولم يستعمل كرسيًّا ولا غيره. كما أن الصلاة بالجلوس على الكرسي تؤدِّي إلى مفاسدَ كثيرةٍ، منها:
إسراف العوام والمقلدين من الأمة في استعمال الكرسي في الصلاة دون ضوابطَ شرعيةٍ.
عدم استواء الصف وما له من أثر في قبول الصلاة.
تضييق المجال على الصف خلف الكرسي في السجود.
إسراف بعض المصلين في بعض البلدان باستخدام أرائكَ طويلةٍ مثل التي في الكنائس، مما يؤدِّي إلى تحوُّل المساجد في مظهرها إلى كنائسَ، وهذا محظورٌ شرعًا بلا جدال؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: 23].
أنها تمنع من السجود على الأرض الواجب لصحة الصلاة لمن يقدر عليه.
فعدمُ استعمال النبي للكرسي في الصلاة وعدمُ ترخيصه بذلك لصحابته، بالإضافة إلى المفاسد الناجمة عن استعمال الكرسي في الصلاة، كلُّ هذا يشير إلى أن من يجيز استعمالَه فإنه يتعدَّى بذلك تعدِّيًا عقديًّا عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو على خطرٍ عظيم وحافة هاوية يكاد يقع فيها مَن يتبنى مثلَ هذا الرأي.
ما حكم صلاة السنن لمن عليه فوائت؟ فقد وقع في بلدتنا خلافٌ في هذه الأيام ما بين العلماء الجاويين في مسألة السُنَّة والقضاء، وقد أفتى جمهورهم ببطلان السُنَّة وتركها، ويحرم فعلها إذا كان عليه قضاء مطلقًا بلا قيد ولا شرط، فبناءً على هذه الفتاوى الصادرة قد اتخذ العوام ذلك سلاحًا عظيمًا وبرهانًا جليًّا وساطعًا لهدم سنن أشرف العباد وفقًا لأهوائهم، مرتكزين على أقوال علمائهم الذين أعانوهم بكل صراحة، فقد دب وسرى ذلك الداء في قلوبهم حتى أمثال العيدين وصلاة الجنائز والتراويح بطلت، ولم يفعلها إلا القليل النادر، ولهذه الحالة أصبحت شعائر الإسلام آخذة في الوهن، مع أن السلف الصالح رحمهم الله تعالى قالوا: "إذا كان عليه فوائت فلا بد من صرف زمنه للقضاء، إلا ما اضطر كنوم ومؤنته ومؤنة من تلزمه جاز له ذلك على قدر الضرورة"، فهذا مراد السلف الصالح في كتبهم بتحريم السنة، فمِن أين للعلماء المذكورين الآن هذا الاستنباط بتجويز كل عمل ما عدا السنة لا يجوز فعلها على الإطلاق، وإذا فعلها كانت إثمًا مبينًا وذنبًا عظيمًا، وهناك الطَّامة الكبرى كما يُفهَم من كلامهم وتصريحهم؟! وبعكسه إذا لم يصرف جميع زمانه للقضاء، أبفعل السنة يؤثم أو يثاب على الترك عمدًا؟ أفيدونا مأجورين.
ما حكم نسيان الإمام سجدة التلاوة في الصلاة؟ فقد كنت أصلي خلف إمام المسجد، وقرأ آية فيها سجدة، لكنه نسي السجود لها، وأتم صلاته، وبعد الصلاة اختلف المصلون؛ فقال بعضهم: لو تذكَّر في الركوع كان عليه أن يعود ويسجد لها، وقال بعضهم الآخر: هي سُنَّة، ولا شيء في تركها؛ فما الصواب في هذه الحالة؟