الثلاثاء 16 ديسمبر 2025م – 25 جُمادى الآخرة 1447 هـ
01 يناير 2017 م

علوم الحكمة (الفلسفة) في الحضارة الإسلامية

علوم الحكمة (الفلسفة) في الحضارة الإسلامية

من العلوم التي أسهم فيها المسلمون بإسهام وافر وبارز علوم الحكمة أو الفلسفة كما هو شائع، وتهتم علوم الحكمة بالنظر العقلي البحت لتكوين رؤية كلية للكون وللحياة، ومصطلح الفلسفة الإسلامية يوحي بارتباط هذا المفهوم بالقيم القرآنية والنبوية، فهو يكون رؤية شاملة للكون والخلق والحياة والخالق لا تتعارض مع كليات العقيدة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الآن نظرية المعرفة في الحضارة الإسلامية، لقد نشأت الفلسفة وتطورت في ظل الحضارة اليونانية على يد أرسطو وأفلاطون وغيرهما، بيد أن هذه الفلسفة قد بنت تصوراتها عن الخالق بمعزل عن الوحي الإلهي.

وفي عصر ازدهار الحضارة الإسلامية في عهد الدولة العباسية نشطت حركة الترجمة نشاطًا كبيرًا؛ مما تسبب في انتشار الفكر الفلسفي اليوناني، وقد دخل كثير من الفلاسفة إلى ساحة العقل الإسلامي عن طريق الترجمة، ودخل أرسطو إلى الساحة العربية الإسلامية بعد حملة الترجمة التي قام بها الخليفة المأمون. وأول كتاب تم ترجمته لأرسطو كان كتاب "السماء والعالم" من قِبل يوحنا بن البطريق عام 200هـ، وقام ابن المقفع وابنه محمد أيضًا بترجمة بعض كتب أرسطو مثل كتب "الأرغانون" وكتاب "التحليلات الأولى" وكتاب "المنطق" لفورفوريوس. وبالتوازي مع هذه الحركة نشأت علوم الكلام عند المسلمين بغرض إقامة الحجج والبراهين القطعية على إثبات أصول العقائد الدينية، في الإلهيات والنبوات والسمعيات مع دفع الشبهات التي تثار من قِبل المخالفين، وحدث تزاوج عجيب بين علم الكلام والفلسفة على يد فلاسفة الإسلام العظام من أمثال يعقوب بن إسحاق الكندي (ت: 265هـ) الذي نشأ في خلافة المعتصم الذي وظف المنطق اليوناني في تفسير وفهم القرآن الكريم، بل وفي إثبات أن الله تعالى وحده هو الذي لا يطرأ عليه الحدوث ولا التغير وأن كل ما عداه من خلقه حادث متغير، لقد كانت فلسفة الكندي بمثابة أول عملية أسلمة للفلسفة اليونانية، حيث قرر الكندي أن العقل والوحي أو الحقيقة الدينية والحقيقة العقلية هما وجهان لعملة واحدة لا يمكن أن يطرأ عليهما التناقض بوجه من الوجوه.

وجاء بعد الكندي أبو نصر الفارابي (ت: 339هـ) الذي طور نظرية الكندي في مفهوم الحقيقة فقال بوحدة الحقيقة أي وحدة الحقيقة الطبيعية الفلسفية، وكان مائلًا بشدة إلى التوفيق بين آراء أرسطو وأفلاطون ووضع كتاب "الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو"، وكتب أيضًا كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة، الذي رآها متمثلة في المدينة المنورة تحت قيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويعد كتابه "الحروف" من الكتب المهمة في فهم البعد المنطقي والفلسفي للغة ووضعها. وقد وصلت الفلسفة الإسلامية إلى قمة النضج والتطور على يد ابن سينا صاحب كتاب "الإشارات". طرح ابن سينا فكرته في الإثبات العقلي على وجود الخالق التي يجب أن تبدأ حسب رأيه بفهم طريقة تفكير الإنسان أولًا، وهو موافق لفكر أرسطو بأن الحركة وإن كانت تبدو عملية لا متناهية فإن مصدرها الثبات، وإن هذه الكينونة الثابتة هي التي حولت الثبات إلى حركة. ثم جاءت إسهامات الفلاسفة الإسلاميين كالغزالي الذي وقف من الفلسفة موقفا نقديًّا شديدًا في كتابه "تهافت الفلاسفة"، وبهذه النظرة ألغى الغزالي أي دور للفلسفة في إثبات أو عدم إثبات وجود الخالق من خلال طرحه الفكري بأنه لا يمكن استعمال الفلسفة في الوصول إلى اليقين الذي لا يقبل الجدل حول ماهية الله، فمعرفة الله - كانت حسب نظره - لا يتوصل إلى اليقين فيها من طريق التفكير العقلي المبني على قواعد علم الكلام، ولكن هذا التصريح لم يكن نهاية الفلسفة الإسلامية؛ حيث قام ابن رشد من قرطبة بإحياء دور الفلسفة في الوصول إلى معرفة الله، حيث اعتبر ابن رشد الفلسفة أعلى مراتب التدين، وألف في ذلك كتابه "تهافت التهافت".

 

تضمن الإسلام من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية وأحكام الشرع الشريف عددًا من الإشارات الفلكية كانت دافعًا ومُحَفِّزًا لعلماء المسلمين للاهتمام بعلم الفلك والبراعة فيه، كقوله تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40]، وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[البقرة: 189]، كما جاء الأمر بالتوجه نحو قبلةٍ معيَّنةٍ في الصلاة، قال تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 144]، وتحديد الاتجاه إلى القبلة جهة المسجد الحرام يحتاج إلى معرفةٍ بعلم الفلك في الأماكن البعيدة عن المسجد الحرام، وكذلك تحديدُ مواقيت الصلاة، وبداية الشهور القمرية؛ لأهميَّتِها في أداء المناسك والعبادات المختلفة.


نحن أُمَّةٌ متدينة، امتزجت حضارتنا بعقيدتنا، فكان الدينُ أساسَها وروحَها وموَجِّهَها وسببَ ازدهارها وباعثَ حياتها عبر العصور.


من إبداعات الحضارة الإسلامية التي نشأت تلبية لنداء الشريعة بضرورة الحفاظ على النظام الاجتماعي وشيوع العدل والفضيلة في كافة مناحي الحياة (علم الاحتساب). وقد ذكرنا في مقال سابق أن أمر الحسبة خطير، وأنها أحد وجوه التطبيق العملي لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنها إن لم تنضبط بميزان الشرع فقد تأتي بنتائج سلبية تكر على المقصود منها بالبطلان، وبدلًا من أن تؤدي إلى استقرار المجتمعات تؤدي إلى اضطرابها. وآية ذلك ما نرى من بعض المتشددين الذين لم ينالوا من العلم والدين القدر الكافي، ويسعون في الأرض بغير هدى ولا علم؛ ظانين أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.


اهتم الإسلام بأمر العلم والعناية به، وقد كان ذلك من أوائل التوجيهات الإلهية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والمسلمين أيضًا، فكان أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، من هذا المنطلق كانت الرؤية واضحةً بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيهاته للمسلمين، باتخاذ وسيلة ومفتاح تحصيل هذا العلم ونشره عن طريق تعلُّم الكتابة، والتي أوصى الله باستخدامها في موضع آخر، منها مثلًا ما يتعلق بتوثيق الحقوق؛ حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ﴾ [البقرة: 282].


إحياء الأرض الميتة من التشريعات الدينية ذات البعد الحضاري الواضح، والمتمثل في تحقيق مراد الله سبحانه وتعالى من خلق العباد بعد تحقيق العبودية له وحده وفقًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وقال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :44
الظهر
11 : 51
العصر
2:39
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20